المجلس الأول في مَقَامِ التَّلَقِّي لِرِسَالَةِ الفُرْقَانِ (الحلقة: 1) والابتلاء فيه واقعٌ بالكلمات الأولى من السورة، فاقرأ آياتها كلمةً كلمةً! اقرأها ترتيلاً وترسيلاً، اقرأها بشهود القلب لبصائرها، الواحدة تلو الأخرى، ثم تدبر! فيا نفسي الكسولة الجهولة.. تأدبي بمجلس الدرس! إن للقرآن العظيم لَقَدْراً، وإن لملائكة الرحمن عليكِ لحقّاً! واجعلي على القلب لسان صدقٍ وميزانَ عبادة؛ ألاَّ تَزِلَّ كلمةٌ طائشةٌ عن فَلَكِ القرآن؛ فتنصرفَ عنكِ مَلاَئِكَةُ الذِّكْرِ، ضاربةً بأجنحة النور نحو السماء، وتدعك غارقة في ظلمات القيل والقال! 1- كلمات الابتلاء: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً(1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً(2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً)(3). 2- البيان العام: هذه سورة من أعجب السور في القرآن! إنها سورة التعريف بالقرآن، وبرسالة القرآن، القرآن بما له من الأوصاف التعريفية الجامعة المانعة: "الفرقان"! هذا الوصف الفصل، الذي يميز الوحي الإلهي عن سائر ضروب الخطاب، ويعطيه صبغته الفرقانية التي تقهر وتبهر! وتشق للبشرية الحائرة في ظلمات الضلال طريق النور الواضح المبين! والفرقان اسم من الأسماء الأعلام على القرآن العظيم، كما هو واضح من مطلع هذه السورة: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً)، وكما في قوله تعالى من سورة آل عمران: (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ)(آل عمران: 3-4). وفي تسمية السورة بهذا الاسم الجامع دلالة وأي دلالة! ولذلك كانت متفردة – من بين سور الكتاب - في شمولها لرسالة القرآن! وفي تعريفها بطبيعة القرآن، وعرضها لقضية القرآن! بما يجعلها في طليعة السور التي لا بد للمؤمن الرباني أن يتلقى رسالاتها كلمةً كلمةً! وأن يدخل في ابتلاءاتها مَنْـزِلَةً مَنْـزِلَةً! ولذلك فقد كانت من الشطر المكي الأول من القرآن العظيم( )، ثم صارت من المحفوظ المتداول لدى كبار الصحابة - رضوان الله عليهم( )؛ وذلك حتى تعلم الجماعة المؤمنة الأولى طبيعة هذا الدين الذي آمنت به، وحتى يعلم الناس المخاطبون بالقرآن، طبيعة هذا الوحي الذي يدعوهم إلى الإيمان. وعليه؛ فإن شئت أن تجعل لهذه السورة موضوعا رئيسا، وشخصية خاصة، تميزها عن سائر السور؛ فلك أن تقول: إنها سورة التعريف بالقرآن، بما هو رسالة ذات قضية فرقانية! تعمل آياتها أول ما تعمل داخل تلك النفس التي تلقتها ابتداءً، فإذا بكلماتها تتحول - عند التلقي - إلى مقاصل ومقارض للتهذيب والتشذيب، تُنَفِّذُ عملياتها الجراحية في عمق النفس الإنسانية تزكيةً وتربيةً؛ حتى تُخرج للناس - بعد ذلك - عبدا فرقانيا، يكون نموذجا حيا لرسالة القرآن! ومن هنا كانت آياتها من أوقع كلمات القرآن على النفس! وكانت رسالاتها من أشد المسالك ابتلاءً للعباد! ومن ثم كانت زبدة مخيضها أن تَخَرَّجَ من محنتها: (عباد الرحمن) بما ذُكِرُوا به من مقامات ربانية، ومنازل رحمانية، لا يدركها إلا من شق مسالكها عقبةً عقبةً! فيا نفسي المريضة! هذه يد الرحمة الفرقانية تمتد إليك بمشرطة الشفاء، فهل تصبرين؟ فاكشف عن صدرك يا صاح! ولنستسلم معا – أنا وأنت - على مشرحة الفرقان؛ لله رب العالمين؛ عسى أن نكون موضوعا لكلمات القرآن، وعلاجات القرآن! فذلك باب الدخول إلى سورة الفرقان. ولنبدأ قضيتنا معها – في مجلسنا هذا - من البداية: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً(1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً(2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً)(3). إن تلقي حقائق الإيمان من القرآن، لا يكون أبداً بمطالعة هذا البيان أو ذاك التفسير، وإنما يكون بمكابدتنا المباشرة للآيات. أما التفسير والبيان فإنما غايته أن يرسم معالم الطريق للسائرين، وأما السير ذاته فإنه لا ينوب فيه أحد عن أحد..! فيا قلبي العليل شمر عن ساقيك لخوض غبار الطريق وانطلق!
رد: المجلس الأول لسورة الفرقان (الحلقة: 1) كيف نصنع إذن لنكون في مستوى التلقي لسورة الفرقان؟ هل من ناصح ينصحنا؟ أو مساعد يساعدنا بتوجيه حكيم على تلقي كلمات الله؟
رد: المجلس الأول لسورة الفرقان (الحلقة: 1) السلام عليكم. هل نبدأ التدارس؟ أم أنه ستكون هنالك رسالات و مسلك للتخلق كما في المرات السابقة؟
رد: المجلس الأول لسورة الفرقان (الحلقة: 1) بسم الله الرحمن الرحيم أعتذر لأحبتي الكرام.. لقد حاولت تقسيم كل مجلس من مجالس سورة الفرقان إلى حلقات، لكنني وجدت أن كل فقرة من السورة تشكل وحدة متكاملة لا يحسن تجزئيها! فعدلت عن الفكرة. وإنما الذي دفعني إلى التجزيء هو رغبتي في عدم الإثقال على الإخوة، والخشية من أن يتم التعامل مع الآيات بشكل بارد! فأسأل الله أن يعينني وإياهم على حسن التلقي! تجدون إن شاء الله باقي ورقة المجلس في مشاركة جديدة بهذا المنتدى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته