المجلس الثالث من سورة الفرقان في مقام التلقي لموازين الدعوة

الموضوع في 'سورة الفرقان' بواسطة فريد الأنصاري, بتاريخ ‏29 يوليو 2009.

  1. فريد الأنصاري

    فريد الأنصاري الإدارة

    المجلس الثالث من سورة الفرقان

    في مقام التلقي لموازين الدعوة والداعية

    1- كلمات الابتلاء:

    وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنـزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10)

    2- البيان العام:

    هذا موطن امتحان الرجال! هذا مقام تَلَقِّي العزائم المحمدية! وإنها لَعَزَائِمُ تَنْهَدُّ من تحت قَوَارِعِهَا الجبالُ! وإنه لا نجاح لداعية خسر هذا التحدي، ولم يفلح في التخلق بمقامه العالي!
    فهل تعلمتَ يا قبلي درس الصبر؟ أم أنها كلمة تجري على اللسان وكفى؟! الصبر على فتنة الاتهامات الباطلة والإشاعات المدمرة والأراجيف القاتلة! وإنها في هذا العصر لمن أشد الشر على المؤمنين! وإنها لتيه من متاهات الغربة بهذا الدين! وإن الصبر على الأذى النفسي لمحنة وأي محنة! وإن الدخول فيها لمن أشد مواطن الامتحان لمقامات الإيمان! وإن النجاح بأسلاكها لبشارة للمؤمنين بالفتح المبين!

    ألا ما أقسى ظلمات الفتن إذا أقبلت على الإنسان بصورها المموهة الكاذبة! كم تبغته وتبهته! وكم تربكه وتزلزله! حتى إنه لربما صدَّقها وانجر خلف ضلالها فكان من الهالكين! وكيف النجاةُ وها الفتنةُ ما أَقْدَمَتْ إلا وَأَقْدَمَتْ بِشُبْهَةٍ، ولاَ أدْبَرَتْ إلاَّ وَأَدْبَرَتْ ببيان!؟ فلا يكون منها البيان إلا بعد فوات الأوان! وإن شُبَهَهَا عند الإقبال لَتَدَعُ الحليم حيران! ولذلك كانت فتنة!

    فيا صاحبي في طريق الآخرة!

    لِنَتَلَقَّ معاً درسَ الموازين! وإن لكلمات الله ههنا لَقولاً فَصْلاً! وإن لها لمقياساً عَدْلاً! ثم إن لها من منازل التبصير والتنوير ما لو تَحَقَّقَ به المؤمنُ لكان من أهل الله، لا يرى إلا بنور الله! فأنى للفتن آنئذ أن تزحزح قلبه أو تسحر بصيرته؟
    ثم إن هذا القرآن قد كشف لأهله سنن الحرب الدائرة بين الحق والباطل إلى يوم القيامة! فلا شيء من ذلك إلا وفي كتاب الله ميزانه. وإن من أشد مواطن الضعف في أسلحة الخصوم هو جهلهم بطبيعة هذه الدعوة ورجالها! وإنما هو عِلْمٌ يُنال بالإيمان، وبالإيمان فقط! وهم إذْ عَدِمُوهُ جهلوه! فكانوا من الخاسرين في معركتهم ضد الحق. فاقرأ وتدبر! ولا يفوتنك هذا فإنه لك قوة!

    قال سبحانه: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ؟)..الآيات. أي: وقال الكفار: ما بال هذا الذي يزعم أنه رسولٌ من عند الله يأكل الطعام مثل الناس؟ فيخضع بذلك لسائر الضرورات البشرية! سواء منها ما يتعلق بلواحق الأكل أو بسوابقه. ثم يمشي في الأسواق لطلب الرزق، فيخالط عامة الناس وأراذلهم؟ فهلاَّ أرسل الله معه مَلَكًا من السماء يشهد على صدقه، ويقوم بالنذارة إلى جانبه؟ أو يُلْقَى إليه كنـزٌ؛ فيكون من أصحاب المال والجاه، أو تكون له ضَيْعَةٌ عظيمة، ذات أشجار وثمار يأكل منها، فيستغني بذلك عن طلب الرزق والمشي في الأسواق؟ وإذْ ليس له من هذا كله شيءٌ؛ فقد قال هؤلاء الظالمون المكذبون: ما تتبعون أيها المؤمنون السُّذَّجُ إلا رجلا مسحورا، أي غلب السِّحْرُ على عقله؛ فلا هو يدري ما يقول!
    ثم جاء الرد من عند الله قويا حاسما كالعادة!‏ ‏(اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً!)‏ تعجيباً من جهلهم وتهافت حجتهم! والخطاب موجه إلى نبيه – عليه الصلاة والسلام – على سبيل التسرية والتطمين، بمعنى: اُنْظُرْ يا محمد إلى تهافت ما جاؤوا به من كذب وبهتان! مما قذفوك به من قولهم: ساحر، مجنون، كذاب، شاعر...إلخ، فكلها أقوال باطلة ساقطة، لا ينطلي بهتانها على أحد ممن يعرفك، أو يعرف ما تتكلم به وما تتلوه من قرآن! ولذلك فهم لا يهتدون إلى حقيقة أمرك، ولا يستطيعون سبيلا‏ إلى دحض حجتك!

    ثم عَقَّبَ بعد ذلك بتمجيد ذاته تعالى مرة أخرى، بما عَظُمَتْ بركاتُه وكَثُرَتْ خيراتُه. لكن ههنا في سياق المواجهة والتحدي! فقال لنبيه: تَبَارَكَ الذي إن شاء جعل لك - أيها الرسول - خيراً مما ضربوه لك مثلاً من مال الدنيا وجاهها، فجعل لك في هذه الأرض الدنيوية – قبل الآخرة - جنات وبساتين كثيرة تتخللها الأنهار، وجعل لك فيها قصوراً عالية فخمة! وكل ذلك سهل يسير على الله؛ إلا أن حكمته تعالى في النبوة وطبيعة الرسالة تقتضي أمراً آخر! وهو ما يأتي بيانه في المجلس اللاحق بحول الله.

    3- الهدى المنهاجي:

    وهو في هذه الآيات ينقسم إلى أربع رسالات هي كالتالي:

    - الرسالة الأولى:

    في أن سنة الله في الرسل والرسالات، وما جاء على منهاجها من الدعوات، أن تحاصرها الألسنة بالاتهامات الباطلة والإشاعات المغرضة، وأنواع السخرية اللاذعة، وسائر ضروب الحرب النفسية! كما تصنع كثير من وسائل الإعلام اليوم - من صحف وفضائيات - بالدعاة المخلصين. فلا بد من توطين النفس على تحمل الأذى النفسي في ذلك، وهو من أشد أنواع الابتلاء! فصبراً صبراً على جهل الجاهلين، وكيد الظالمين!

    - الرسالة الثانية:

    في تنبيه المؤمن إلى أن غالب طرق الحصار الإعلامي قديما وحديثا قائم - بالإضافة إلى أسلوب الاتهام والسباب – على أسلوب التعجيز! (لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنـزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا!) وهو ما يردده اليوم أعداء الدعوة الإسلامية، من مطالبة الدعاة ببرنامج تفصيلي في المال والأعمال، وكثير من الحلول الاجتماعية، التي لا نشك أن الإسلام هو العلاج الحقيقي لها، ولكن مع ذلك نقول إن للإسلام - بما هو دين رب العالمين - أولويات، وأصولا كليات! هي أساس العمل الدعوي، وما سواها فروع. فإذا قامت تلك، قامت هذه - بناءً عليها - بصورة تلقائية. فليكن المؤمن الداعية على بال من ذلك؛ حتى لا ينجرف إلى رد الفعل، فيجد نفسه يُصَرِّفُ الرسالة الدعوية على غير وجهها، أو بما يخالف ميزان أولوياتها! من برامج وخطط ووعود!

    - الرسالة الثالثة:

    في جهل الكفار عموما بطبيعة الدين والدعوة، إلا ظواهر شكلية، لا تنفعهم في شيء. ولذلك فإنهم لا يفلحون في محاصرة الحق أبداً. فما أخلص عبد لله في دعوته إلا كان منصوراً. وأما الانحراف بالدعوة والدين إلى صور العمل العادي غير التعبدي، فإنه يسهل على العدو محاصرته بكل الوسائل؛ إذ يفقد ذلك العمل طبيعته الإيمانية، وخاصيته الروحية، المستعصية على التحليل والتأويل ثم على الحصار والتدمير! فلا مقاييس للكفار في تفسير الظواهر إلا مقاييس المادة! ولا طاقة لهذه أن تفهم موازين دعوة القرآن! ومن هنا كان رجل القرآن منصوراً! فَأَلْقِ كلمات الله عليهم - يا عبد الله - وأَبْشِرْ بالفتح المبين! قال تعالى في مثل هذا السياق: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ! إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ!)(الحِجر : 94-95).

    - الرسالة الرابعة:

    في أن المؤمن لا ينبغي أن ينهزم أمام الحرب النفسية، وألا يرهبه شيء من هذه الاتهامات والإشاعات، مهما كثرت وتواترت! لسبب واحد، هو: أنها جميعها ستسقط مندحرة مهزومة؛ لأنما هي تحارب الله رب العالمين! فلا يبتئسن الداعية إلى الله بشيء من ذلك أبداً! وليوقن – إذا كان يُمَسِّكُ بالكتاب فعلاً، مخلصا لله صدقاً - بأن كلمات الله هي الغالبة المنتصرة في نهاية المطاف! فما أعلن أحدٌ الحربَ على الله إلا أهلكه الله!

    4- مسلك التخلق:

    شيء واحد أساس، يعصمكَ من الانجراف وراء المتاهات! ويمنحك الثباتَ أمام مغريات الدعايات، وهو حقيقة إيمانية كبرى: أن تبحث عما يريد الله منك، لا عما تريد أنت منه! فأنت العبد، وهو السيد الرب العظيم جَلَّ جلالُه، فلا ينعكس بين يديك الميزان! وبغير ذلك يتيه الدعاة فيقرؤون القرآن – تحت تأثير الاستفزاز الإعلامي والسياسي - كما يريدون هم لا كما يريد القرآن! كل ذلك وهم لا يشعرون! فيتم إخراج الدين للناس على موازين دنيوية فانية، لا على موازين الربوبية والحقائق الأخروية الباقية!

    فيا صاح! اسجد لله في سيرك داعيا إليه، ولا تكن من الْمُفْتَئِتِينَ! هذا خُلُقُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بين يدي ربه، عبداً خاضعا لجلاله تعالى، لا يشتغل إلا بما أذن له فيه! فاحذر أن يقع ببالك أنك أنت الذي تدبر أمر الدين والدعوة! فرداً كنت أو جماعة! فإنما غاية شرفنا جميعا - أنا وأنت – أن نحظى برضى الله تعالى إذا ما رضي أن نكون جنودا من جنده! فأكرم به من شرف وأنعم! والله وحده مدبر أمر الدين والدنيا جميعا. لا يكون شيء من أمرهما إلا بإذنه! وفي الإبان الذي يريده هو جل علاه! فاخضع لمراد الله تكن من المفلحين إن شاء الله!

    وإنما خُلُقُ المؤمن في هذا الشأن أن يجاهد نفسه لتحقيق عبوديته لله؛ باتباع مسالك القرآن الكريم أنى مضت به، لا يلتفت إلى ما سواها. فَيُقَدِّمُ ما قدمه القرآن، ويؤخر ما أخره القرآن، ويعظم ما عظمه القرآن، ويصغر ما صغره القرآن! متأسيا في ذلك كله بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خُلقه القرآن! ومن خضع لله على هذا الميزان، هداه الله إلى الحق أنى كان!

    حكمة:
    عندما اشتعلت نيران الحرب العالمية الثانية وُجِدَ حكيمُ القرآن الأستاذ بديع الزمان النورسي - رحمه الله - غير مبال كثيرا بأحداثها، والناس آنئذ في هلع عظيم! فسئل في ذلك، فقال: إنني منشغل بما هو أعظم! فقيل: وهل هنالك شيء أعظم من الحرب العالمية؟ قال: نعم، يوم القيامة!
    ــــــــــــــــــــــانتهى.
     
  2. فارس

    فارس مشرف ساحة خواطر قرآنية

    رد: المجلس الثالث من سورة الفرقان في مقام التلقي لموازين الدعوة

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
    نعم إنه حقا مقام "التلقي لموازين الدعوة والداعية" ، فلقد صَدّع جدران قلوبنا هذا البيان ـ يا شيخناـ ، الذي سُلِّطت أنواره على هذه الآيات فزادت قلوبنا بهاء و جمالا. نسأل الله أن ينير بصائرنا بكتابه.
    (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ؟)..الآيات ، إنها مجرّد " أقوال" لكنها مدمّرة للنفس ، فجراحات السّنان لها التئام و لا يلتئم ما جرح اللسان ، فالكلمة طيبة كانت أو خبيثة تحدث في النفس وقعا و تأثيرا ، فهذه تعمّر و تلك تدمّر. و هذا الحبيب قد اكتوى من شرارة تلك الكلمات المؤلمة ، حتى ضاق صدره ، فجاءته اللمسة الحانية لترش قلبه من سيلها المتدفق :" و لقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون" ، فماذا كان الدواء ؟ كنا ننتظر توجيها يقضي بمواجهتهم بوابل من الأقوال ، لكن الدواء غير ذاك فتبصر و اقتن الدواء من صيدلية القرآن ـ هنيئا مريئا ـ :" فسبح بحمد ربك و كن من الساجدين و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين". نعم ، إنه دواء ذكر الله و اللجوء إلى الله ، الذي يحرق سموم تلك الأقوال داخل أغوار النفس. تلك الأقوال تؤثر على " الأفئدة الحية الرقيقة " ليس تحسّرا على نفسها و إنما رأفة بأصحابها :" و لقد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون " ، و تأمل إلى الأدوية الربانية :"و اصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا و سبح بحمد ربك حين تقوم و من الليل فسبحه و إدبار النجوم" ، فتكفي قلبك العليل ضمانة الله :" فإنك بأعيننا" ، هنا تذوب كل الأحزان و تختفي كل الأسقام.
    و لقد ذكرتك و الخطوب كوالح سود و وجه الدهر أغبر قاتم
    فهتفت في الأسحار باسمك صارخا فإذا محيا كل فجر باسم
    فما أحوجنا إلى التسربل بسربال الصبر و التقى (و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) فننأى بأنفسنا كما ـ أفاد شيخناـ عن كلّ استفزازات الإعلام :" و إن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها" ، فلنأوي إلى ركن شديد يحمينا من تلبيس دين الله ملبسا لا يليق ببهائه، فهو وحده سبحانه الذي يثبت عندما تضل الأفكار و تضطرب الأفهام، فلقد قالها مدوية لمن هو خير مني و منك :" و لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" ، هنا تتخلى النصرة و الحماية الربانية :"ثم لا تجد لك علينا نصيرا". قال شيخنا حفظه الله (شيء واحد أساس، يعصمكَ من الانجراف وراء المتاهات! ويمنحك الثباتَ أمام مغريات الدعايات، وهو حقيقة إيمانية كبرى: أن تبحث عما يريد الله منك، لا عما تريد أنت منه! فأنت العبد، وهو السيد الرب العظيم جَلَّ جلالُه، فلا ينعكس بين يديك الميزان! وبغير ذلك يتيه الدعاة فيقرؤون القرآن – تحت تأثير الاستفزاز الإعلامي والسياسي ء كما يريدون هم لا كما يريد القرآن! كل ذلك وهم لا يشعرون! فيتم إخراج الدين للناس على موازين دنيوية فانية، لا على موازين الربوبية والحقائق الأخروية الباقية)
    و ما أصدق ما قاله ابن عطاء الله رحمه الله حينما قال :"إنما أجرى الأذى على أيديهم كي لا تكون ساكنا إليهم ، أرادك أن يزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه شيء"

    و تأمّل ضآلة تفكيرهم الذي أُشْرِب من المادية البحتة التي لا ترفع رأسها إلى السماء ، فكأن المادة و الروح لا يلتئمان في خُلْدِهم ، فتعجبوا كيف أنه يمكن لمن هو موسوم بصفات "البشرية" من أكل للطعام و مشي في الأسواق ، أن يتصل بالسماء ، فلا بد إذن ـ وفق تصورهم ـ أن يأتي ملك من عالم الروح فيكون معه نذيرا، إلى غير ذلك من السخافات التي تنطلق من نفوس مريضة سكرت بالدنيا ، إنهم يريدون كنوزا و جِنانا. إنها أقوال الثّمِل السكران بالمادة إلى النخاع ،فماذا عساك أن تجيب من خَبلَ عقله
    و صدق الله فيهم :" انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا". و هنا يأتي مسك الختام يخاطب الوجدان بكلمات لن يبصرها عبد الدرهم و الدينار ، وإنما هي نسيم عليل تهب على أركان النفس المؤمنة بالساعة فتلطّف جوّها و تبث فيها حنينا و شوقا إلى تلك الديار ، هناك حيث القصور و العيون "تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً" ، هنا تسكن النفس و تقرّ لوعد ربها ، كأنها الآن تترنح بين جوانب الجِنَان بالجَنَان. جعلنا الله و إياكم من أهلها و زاد شيخنا و حبيبنا فريد علما و نورا. آمين'
     
    آخر تعديل: ‏30 يوليو 2009
  3. سعد

    سعد مشرف ساحة الدعوة الإسلامية

    رد: المجلس الثالث من سورة الفرقان في مقام التلقي لموازين الدعوة

    لقد صار للاستفزاز الإعلامي من جهة، و لانتشار الفكر السطحي من جهة أخرى ـ الذي هو أيضا صنيعة الإعلام ـ أثر بالغ على رؤية بعض المسلمين للأمور الدعوية. و هذه الآيات المباركة تسلط الضوء على بعض هذه الاضطرابات...

    فهنالك النظرة "التقليدية" للدين التي ترى أن الإنسان لا يكون وَلِيّاً إلا إذا كانت له كرامات باهرة و مقامات أرضية و سماوية : (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا).

    و هنالك النظرة "الحداثية" للدين التي ترى أن الإنسان لا ينال عند الله المكانة إلا إذا وصل ذروة النجاح المادي في هذه الدنيا : (أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها).

    فماذا تكون النتيجة؟ قد تظهرُ دَعوة إصلاحية حقيقية، لكن يشاء الله أن يحجبَ عن أصحابِها الكراماتِ الظاهرةِ و أن يضيقَ عليهم في الرزق ابتلاءً، فيَضِل عن اتباع هذه الدعوة و مساندتها أهلُ النظرتين التقليدية و الحداثية، (فلا يستطيعون سبيلا).

    و أما الذي ينشد الحق من بابه الأوحد ـ كتاب الله و بياناته النبوية ـ معرضا عن الهوى، فإنه يصل إليه إن شاء الله.
     
    آخر تعديل: ‏1 أغسطس 2009
  4. عبد الله 2010

    عبد الله 2010 عضو جديد

    رد: المجلس الثالث من سورة الفرقان في مقام التلقي لموازين الدعوة

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    أعجبني هذا الفصل الفريد الذي قدمه أخي الحبيب "سعد" حفظه الله في طبيعة الإشاعات التي يقوم بها أعداء الدين لمحاصرة الدعوة إلى الله, و إن كنت أتحفظ على مصطلح "النظرة التقليدية" و "النظرة الحداثية", و أفضل استبدال الأولى ب"النظرة الخرافية" و الثانية ب"النظرة النفعية" أو "المادية", وهذا تبيان لحقيقة الدين أنه ليس مبنيا على أمورغيبية فقط أو أمور مادية بحتة, بل إن ديننا امتاز بربطه المتقن الذي لا خلل فيه بين عالم الغيب و الشهادة .
    و من أجمل ما قرأت في مواجهة النظرة الخرافية للدين, ما حكاه أحد تلامذة الشيخ النورسي "كمال طن آر":

    " كنت طالباً في الصف المنتهي بكلية الحقوق، كان علينا ان نزور المحاكم والسجون. ذهبت الى سجن "اسكي شهر" يوماً لزيارة الأستاذ، وعندما دخلت عليه رأيته جالساً على سجادته منشغلاً بالاوراد عقب الصلاة قبلت يده وقلت له:
    - استاذي، يقال انه يظهر على يديكم كثير من الكرامات الغيبية ، بيد اني لم أر أياً من الاحوال الخارقة منكم، فان كانت تلك الاحوال موجودة فعلاً، فأظهروها امامي، ولتمش مسبحتكم هذه مثلاً.
    تبسم الأستاذ ، وذكر لي هذه الحكاية ليوضح الأمر:
    - كان لأحدهم ولد يحبه كثيراً، فهو وحيده، اخذه - ذات يوم - الى محل المجوهرات ليشتري له بعض الهدايا الثمينة من الالماس والجواهر حسب رغبة ابنه المحبوب، تعبيراً عن شدة حبه له. وكان قد زين صاحب المحل محله بنفاخات ملونة متنوعة على سقف المحل ليلفت نظر الزبائن. وعندما دخل الطفل هذا المحل المزين بالنفاخات لفتت نظره الوانها الجذابة، فقال باكياً:
    - ابي! اريد ان تشتري لي من هذه النفاخات .. اريد النفاخات..
    - ياصغيري الحبيب، سأشتري لك مجوهرات ثمينة والماسات غالية. ولكن الطفل الحّ في طلب النفاخات..
    وبعد ان انهى الأستاذ هذا المثال قال:
    - اخي انا لست الا دلالا في محل جواهر القرآن الكريم وخادماً فيه، ولست ببائع نفاخات ملونة، فلا ابيع في محلي نفاخات وليس في محلي وسوقي الا الالماس الخالد للقرآن الكريم، فانا منشغل يااخي بإعلان نور القرآن."
    فتأمل.
    كما أعجبتني أيضا الوصفة التي قدمها لنا أخونا العزيز "فارس" جزاه الله خيرا من صيدلية القرآن لمواجهة هذه التهم الشنيعة و الإفتراءات الباطلة:
    "ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن الساجدين* واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"
    و لو افترضنا مثلا أن الله سبحانه و تعالى أمد رسوله "صلى الله عليه و سلم" بما يطلبونه منه و هو القادر على ذلك "تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً", هل هذه المعجزات ستجعل هؤلاء المكذبين يعترفون برسالة محمد صلى الله عليه و سلم ( وقس مثالا على ذلك في زمننا): لا و الله ما كانوا ليزدادوا إلا إنكارا و جحودا, بل سيفترون عليه تهما جديدة كالسحر و الشعوذة: و هذا ما حدث فعلا في حادثة انشقاق القمر, و ما حدث لنبي الله صالح عليه السلام وموسى و عيسى..إلخ.
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
     
    آخر تعديل: ‏2 أغسطس 2009
  5. بن أفراعي

    بن أفراعي عضو جديد

    رد: المجلس الثالث من سورة الفرقان في مقام التلقي لموازين الدعوة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ما أعظم كلمات الله التي لا تنفد أبدا
    ما أثارني من التحليل الذي تناول به أستاذنا فريد حفظه الله هذا المقطع من سورة الفرقان العجيبة. هوالآتي:

    فيا صاح! اسجد لله في سيرك داعيا إليه، ولا تكن من الْمُفْتَئِتِينَ! هذا خُلُقُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بين يدي ربه، عبداً خاضعا لجلاله تعالى، لا يشتغل إلا بما أذن له فيه! فاحذر أن يقع ببالك أنك أنت الذي تدبر أمر الدين والدعوة! فرداً كنت أو جماعة! فإنما غاية شرفنا جميعا - أنا وأنت – أن نحظى برضى الله تعالى إذا ما رضي أن نكون جنودا من جنده! فأكرم به من شرف وأنعم! والله وحده مدبر أمر الدين والدنيا جميعا. لا يكون شيء من أمرهما إلا بإذنه! وفي الإبان الذي يريده هو جل علاه! فاخضع لمراد الله تكن من المفلحين إن شاء الله!

    وإنما خُلُقُ المؤمن في هذا الشأن أن يجاهد نفسه لتحقيق عبوديته لله؛ باتباع مسالك القرآن الكريم أنى مضت به، لا يلتفت إلى ما سواها. فَيُقَدِّمُ ما قدمه القرآن، ويؤخر ما أخره القرآن، ويعظم ما عظمه القرآن، ويصغر ما صغره القرآن! متأسيا في ذلك كله بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خُلقه القرآن! ومن خضع لله على هذا الميزان، هداه الله إلى الحق أنى كان!
     
  6. محمد

    محمد مشرف ساحة القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله عل

    رد: المجلس الثالث من سورة الفرقان في مقام التلقي لموازين الدعوة

    السلام عليكم ورحمة الله
    لقد ألفيت الرسالة الثانية ذات نفع آني للتحدي الذي نعيشه اليوم تجاه دعاة التغريب ، إننا نستطيع دون أدنى شك أن نثبت للعالم تفوق الإسلام على ما دونه ليس بما هوتعبد فحسب ولكن أيضا بما هو منهج حياة تلتقي فيه العلوم جميعا ولا يؤوده تنظيم الإقتصاد أو الإجتماع ولكن شريطة تنزيله في الواقع والتقيد به ظاهرا وباطنا هنا فقط يتحقق الإستلزام.
     

مشاركة هذه الصفحة