المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِهِ!

الموضوع في 'سورة الفرقان' بواسطة المدير العام, بتاريخ ‏15 مارس 2010.

  1. المدير العام

    المدير العام الإدارة طاقم الإدارة

    المجلس الحادي عشر

    في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته
    ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِهِ!


    1- كلمات الابتلاء:

    أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ نُشُراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً (55).


    2- البيان العام:

    رَبٌّ واحدٌ، وحركةٌ واحدةٌ، من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء.. الكونُ كله مشدودٌ بأنوار الأسماء الحسنى إلى مولاه، خَلْقاً وتقديراً، ورعايةً وتدبيراً. سلسلة واحدة: من إنزال الماء إلى إنزال القرآن! ومن إحياء الأرض والحيوان إلى إحياء الروح والوجدان! ربٌّ واحد يتصرف بقدرته وبحكمته في شؤون مملكته!

    هو الحيُّ، سبحانه، يُنَـزِّلُ لكل شيء ما يحييه: ماءً أو قرآناً! ويحرك كلَّ شيءٍ رعايةً؛ بما يحفظ وجوده وحياته، من الظل في حركته الجزئية مَدّاً وقبضاً، إلى الشمس في حركتها الكلية وهي تَسْبَحُ في فَلَكِهَا العظيم! ومن حوادي الرياح إلى قوافل الغمام، ومن النبات إلى الحيوان إلى الإنسان! فالرسول المبعوث والقرآن المنـزل، كلاهما لا يخرج عن هذا النظام الكوني العظيم، ولا عن هذا التدبير الرباني الحكيم! فأي تأمل في حركة الظل، مهما كانت جزئية، تقود الإنسان البصير إلى أعلى..! إلى مشاهدة أنوار القرآن وهي تتنـزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم!

    ومن هنا كان هذا الخطاب من الله - جل جلاله - لرسوله صلى الله عليه وسلم، في سياق الرد على المستهزئين به، وبما جاء به من الآيات: ألم تَرَ يا محمد إلى ربك ذي الجلال كيف مدَّ الظل بشروق الشمس؟ حتى انتشر في كل مكان تحت الجدران والأشجار والأجراف والجبال، وعلى سفح كل مرتفع. ولو شاء لجعله ثابتاً مستقراً لا تزيله الشمس ولا تنسخه. ثم جعلنا الشمس علامةً يُستَدَلُّ بأحوالها على أحواله. ثم قَبَضَهُ ربُّه – بعد ذلك - إليه قبضاً يسيراً، أي بصورة هادئة خفية، شيئاً فشيئاً، فكلما ازداد ارتفاع الشمس أول النهار ازداد نقصان الظل، حتى يملأ ضياؤها كل مكان؛ فلا يكاد يبقى له في العراء وجود! ثم إذا زالت الشمس عن كبد السماء قليلا، بدأ الظل يولد من جديد، شيئا فشيئا، حتى إذا كان العصر امتدت الظلال مرة أخرى في كل مكان! وهكذا يدور الظل مع الشمس في حركة متوازنة هادئة؛ تبعا لحركة الفَلَكِ، في دورة الأرض حول الشمس، بصورة تفتح بصيرة المؤمن على مشاهدة القيومية العظمى لرب العالمين، وربوبيته القائمة على شؤون مملكته! في حركة دائمة مستمرة، لا تعرف اضطراباً ولا خَلَلاً ولا انقطاعاً! فمن ذا غيره سبحانه يستحق العبادة والتقديس؟ ألاَ جل جلاله وعلاه، هو الله الواحد القهار! لا إله إلا هو!

    وكيف لا؟ وهو الذي جعل للبشرية الليل لباساً يسترها بظلامه المحيط بكل شيء، وجعل لها النوم راحة شاملة، وسكينة مطلقة لأبدانها وأنفسها. ثم جعل لها النهار لتنتشر خلاله في الأرض؛ طلبا لما قَدَّرَ لها من الأرزاق والمعاش. في حركة عمرانية، متداولة بين الليل والنهار سكونا ونشورا، في توازن عجيب، كما تُتَدَاوَلُ الشموسُ والظلالُ قبضاً ومدّاً!

    وهو سبحانه الذي أرسل الرياح – من أجل الإنسان - تسوق له قوافل السحاب المحملة بالأرزاق.. تنشر الرحمة بإذن الله غيثا نافعاً، وتبشر الناس بالخصب والنماء! ثم إنه تعالى أنزل - تبعا لذلك - من السماءِ ماءً طَاهِراً مُطَهِّراً؛ ليبعث به الحياة الطاهرة في الأرض الميتة، ويجري به العيون والغدران، كما تجري الروح في الأبدان، فَيُخْرِجُ به النبات والأشجار والزروع، ويُحيي البلد الجدب القاحل بعد يأسه المميت! كما يُسْقِي به كلَّ من تكفل سبحانه برزقه من خلقه، من الحيوان والإنسان جميعاً! وهكذا تتدفق الحياةُ هبةً ربانيةً، وعطاءً رحمانيا من الله!


    يتبع في المداخلة الموالية إن شاء الله



     
  2. المدير العام

    المدير العام الإدارة طاقم الإدارة

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه


    فالذي أنزل تلك النعم جميعا هو سبحانه نفسُه الذي أنزل القرآن، ولذلك قال بَعْدُ مباشرةً: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً!) فالضمير في قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ) يعود على القرآن، الذي هو موضوع هذه السورة([1])، أي: ولقد صرفنا هذا القرآن بينهم، وما فُصِّلَ فيه من الأحكام والْمَشَاهِدِ وضروبِ الْمَعَارِضِ، من مَدِّ الظلال وقبضها، وتعاقب الليل والنهار، وإرسال الرياح وإنزال الأمطار، ما يجعل حقائقه الإيمانية قاطعة البرهان. كما أن تصريف القرآن هو أيضا بمعنى تفريق نزول آياته على فترات، وتنويع مواضعها على حسب المقاصد والغايات، وترتيب أحكامها على حسب النوازل والحاجات. كل ذلك قصد تزكية الإنسان وتربيته على أقوم منهاج، وتيسير حصوله على الهدى والذكرى؛ بما صُرِّفَ له في هذا القرآن من الآيات البَيِّنَاتِ. ولكن أكثر الناس – رغم ذلك - تَعْمَى بصائرُهم عن هذا الهدى الرباني العظيم؛ بسبب ما رَانَ عليها من الأهواء والشهوات؛ فيكفرون جحودا بحقائقه!

    وقد ذََكَرَ سبحانه تصريفَ آيات القرآن بعد ذكر إنزال المطر، لبيان أن آثار القرآن على القلوب التي تستقبله هي كآثار المطر على الأرض الميتة، بما يكون له من بعثٍ وإحياءٍ لها من بعد موات!

    ويجوز أن يعود الضمير في قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ) على آخر مذكور في السياق وهو المطر([2])؛ فيكون المعنى أن كل ذلك التقدير للأرزاق بين الناس، وكل ذلك التصريف والتقسيم للماء بينهم؛ إنما هو ليتذكر الذين أنزل عليهم المطر؛ فيشكروا نعمةَ الله عليهم. ثم ليتذكر الذين مُنعوا النعمة؛ فيسارعوا بالتوبة إلى الله؛ عساه يرحمهم ويسقيهم، كما سقى غيرهم. ولكن يأبَى أكثر الناس إلا جحوداً لنعمة الله، وكفراً بمولاها – سبحانه جل علاه – وإنكاراً لحقه العظيم عليهم!

    هذا، وإنه لو شاء اللهُ - جَلَّ جلالُه - لَفَرَّقَ الرسالةَ كما يفرق المطر، فجعل لكل قرية، ولكل بلدة، حصتَها من النذارة الخاصة بها. ولكن حكمته تعالى في هذا الزمان الخاتم، اقتضت أن تكون الرسالة واحدة وعالمية! ولذلك جعل رسولَه محمدا – صلى الله عليه وسلم - مبعوثاً إلى أهل الأرض جميعاً، وأمره أن يبلغهم هذا القرآن، وألا يطيع الكافرين في ترك شيء من شريعته! وألا يقبل منهم صرفا ولا عدلا، ولا مساومة في التخلي عن أي شيء من أحكامه وحدوده! بل أمره أن يبذل جهده الكامل في تبليغ رسالة الإسلام، وأن يجاهد الكفار بسلاح القرآن وبحقائقه الإيمانية جهاداً كبيراً!

    ثم يستأنف - جل وعلا - عرض مَشَاهِدِ قدرته الفرقانية في الطبيعة، لتطمين عبده على قوة فرقانية القرآن، وعظمة سلاحه! فبين كيف أنه سبحانه خلق البحار متلاطمة الأمواج، ومَرَجَ بعضَها ببعض، أي: وَصَلَ بعضَها ببعض. وقد يكون منها البحر ذو المياه العذبة، والبحر ذو الملوحة الشديدة، ثم تتكسر أمواج بعضهما على بعض، دون أن يؤدي ذلك إلى اختلاط مياههما كليا! لِمَا جعل - سبحانه وتعالى - بينهما من الحِجْر، أي المنع والفرق، وهو الحاجز المائي الذي يفرق بين البحرين المتجاورين المتداخلين، فيحفظ لكل مياه خصائصَها وبيئتَها، فلا يؤثر بعضها على بعض سلبا!

    ثم يبين فرقانيتَه العظيمة في مشهد تكويني آخر، وهو خَلْقُهُ سبحانه بشرا سويا، مِنَ الماء المهين الذي يمنيه الإنسان، حتى إذا أتم خلقه وتكوينه في بطن أمه، أخرجه إلى الوجود على أعلى ما يكون الخَلْقُ دِقَّةً وصِنْعَةً وجَمالاً! بما يبهر العقول ويحيرها! فيجعل منه ذريةً تتناسل، لتكوين قرابة النسب وقرابة المصاهرة، ويجعل ذلك كله أساسا متينا لتكوين الأرحام، ثم يجعل سبحانه لكل رحم أسرةً خاصة؛ بما يحفظ لها خصائصها الوراثية خِلْقَةً وطبيعةً على مدى السنين! رغم تداخل تلك المياه البشرية بالزواج من ههنا ومن ههنا! تماما كاحتفاظ كل بحر من البحار بخصائصه رغم مَرْجِ بعضها ببعض! وذلك من أعظم مظاهر قدرة الله الفرقانية! ولذلك قال: "وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً!"

    فكذلك هذا القرآن سلاح فرقاني، يفرق به الله - جل جلاله - بين الحق والباطل! فما أخذه عبدٌ مؤمن بالله، مجاهدا به الكفر والضلال! إلا وكانت له هذه الخصائص الفرقانية العظيمة التي عُرض مثلها في مشاهد القدرة الإلهية في المياه البحرية والإنسانية! تفريقاً وتمييزاً، وكذا خلقاً وإنتاجاً وتقديراً!
    ولكن الإنسان مع كل هذه الدلائل العظيمة على قدرة الله وإنعامه على خلقه، يُشرك بالله، ويَعْبُدُ مِنْ دونه مَنْ لا قدرة له البتة! ومَا لا ينفعه إن رجا نفعه بعبادته، ولا يضره إن تركها! إلا ما يتوهمه من تلبيسات الشيطان! وبهذا يكون الكافر بالله ظهيراً على ربه، أي: متحالفا مع الشيطان بالتواطؤ معه على الشرك بالله والكفر به! ومُظَاهِرًا له على التمرد على مولاه جل وعلا!

    ومن هنا تَعَيَّنَ على المؤمن أن ينصر ربه، وأن يجاهد حِلْفَ الشيطان! وهذا سلاح الفرقان بين يديه كفيل بتحطيم هياكل الكفر ومظاهره!


    [FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot] وهو اختيار القرطبي، والبقاعي، والبيضاوي، والشوكاني، وقال: هو مذهب الجمهور. فتح القدير: 4/114.[/FONT]

    [FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot] وهو اختيار الطبري وابن كثير.[/FONT]



    المجال مفتوح لكل الإخوة لمدارسة هذه الآيات الكريمة
    على أن يختم المجلس بكلام الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله بعد حوالي 10 أيام إن شاء الله




     
  3. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أقترح على الإخوة الكرام، قبل أن نشرع في تدارس هذه الآيات الكريمات، أن نستمع إليها تتلى بصوت أحد القراء المتميزين، عساها تتسرب إلى قلوبنا بسلاسة، حيث أن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا وجمالا، ويعين على تدبر أفضل، أترككم مع الرابط للاستماع لآيات هذا المجلس مع آيات المجلس الذي قبله، حتى نربط ما مضى بما نتدارسه الآن، أترككم مع الآيات،و السلام عليكم ورحمة لله وبركاته

    [media]http://www.m5zn.com/uploads/2010/4/10/embed/041010050408yqf9me9jpx1dpvty549e.wma[/media]

    ملاحظة: (اضغط وانتظر قليلا للاستماع)
    أرجو الإستماع إلى الآيات باستحضار أنها كلام الله، وأن الله يكلمنا الآن من خلال هذه الكلمات الكريمات، بتدبر وتمعن لكلمات الإبتلاء، وتفكر لمآلاتها في النفس والمجتمع، هذا هو شرط الإستماع لمن أراد أن يستمع.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
     
    آخر تعديل: ‏10 ابريل 2010
  4. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هذه الآيات، شديد وقعها على النفوس، كبير تأثيرها في القلوب، فما من قلب يتدبرها بإخلاص القصد لله، إلا وتصدع، وتشقق، وفر بذلك هاربا إلى الله مولاه عبر بوابة القرآن الكريم الواسعة.
    وقد تضمنت هذه الآيات الكثير الكثير من المواعظ والمعاني الجليلة، مما لم تتضمنه بهذا الإجتماع آيات أخر مما تدارسنا.
    وقد أفاض في ذلك شيخنا الجليل رحمه الله وأجزل له العطاء والثواب، إفاضة ما بقي بعدها كلام إلا من باب تحقيق شرط التدارس والتعاون على البر والتقوى، و من باب تنشيط هذا المنتدى المبارك، الذي نتمنى من الإخوة أن يساهموا كل بما يستطيع في إضفاء جو الإيمان والقرآن والحيوية على أركان هذا المرتع المؤسَّسِ من أجل خدمة كتاب الله أولا وآخرا.
    أعتذر على هذه المقدمة المطولة، ونبدأ في التدارس بحول الله وقوته.

    تبتدئ هذه الآيات بدعوة للتفكر في شيء يعد من أبسط الأشياء في هذه الحياة التي قلما ينتبه إليه الإنسان، دعوة للتفكر بطريقة لطيفة جميلة تجعلنا نراجع أنفسنا ، حيث كان الخطاب موجها على أساس أن التدبر في الظل يجب أن يكون شيئا بدهيا "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ..." ؟ هكذا "ألم تر ... " ؟، وكأن النظر والتفكير الطبيعيين، هما اللذان يداومان التفكر في مثل هذه الأشياء، ليستحضروا في ذلك عظمة الخالق البارئ جل في علاه، ثم يستمر عرض آيات الله الكونية آية آية، وفي كل منها إشارات جميلات، ففي الآية التي تتكلم عن الليل والنوم والنهار، كانت الإشارة على أن النهار إنما هو "نشور"، وكأن الله جل وعلا يذكرنا بيوم النشور الأكبر، كما في الحديث، لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وأنذر عشيرتك الأقربين"، قام باستدعائهم، مرتين، وفي المرة الثانية قال لهم : " ... والله الذي لا إله إلا هو ، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة . والله لتموتن كما تنامون . ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا... " . فالمؤمن الفطن، هو الذي يتذكر مثل هذه الأشياء، ويجعلها ديدن حياته، وتفكر ساعة خير من عبادة سنة كما قال بعض الصالحين ، فلكل عضو عبادة، وعبادة الدماغ والعقل التفكر، وبالتفكر والتدبر يحصل التذكر الذي هو صفة المؤمنين : "وذكرفإن الذكرى تنفع المؤمنين".

     
    آخر تعديل: ‏16 أكتوبر 2010
  5. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه

    ثم بعد ذلك، جاءت الإشارة إلى الماء الطهور، الذي يطهر الأبدان، والذي هو سبب الحياة المادية : "وجعلنا من الماء كل شيء حي"، تلميحا من خلال ذلك إلى حياة الأرواح الذي هو القرآن الكريم، الذي هو روح الأرواح، ويمكننا أن نقول، أن الله جعل بالقرآن الأرواح حية مبصرة، "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا" ، ولولا القرآن لبقينا في ظلام وفي ضلال وفي موت للقلوب ، نسأل الله العافية، وهذا الربط بين ماء الحياة المادية، وبين ماء وروح الحياة القلبية كثير ذكره في كتاب الله جل وعلا، وكأن الله تعالى يقول لنا، إن أردتم الحياة لقلوبكم، فعليكم بالقرآن.

    ومن المواعظ والأوامر أيضا، عدم طاعة الكفار في أي أمر كان، وأن أول الجهاد وأكبره، هو الجهاد بهذا القرآن لا بغيره، "وجاهدهم به جهادا كبيرا". فهذه سورة مكية، ولم يشرع الجهاد المادي بالسيف بعد، ولكن مع ذلك، شرع الجهاد القرآني، لأن عليه يتأسس الجهاد السيفي، ولا جهاد بالسيف إلا بعد الجهاد بالقرآن، وهذا ما لا نكاد نراه في هذا الزمان، ولا جهاد بالقرآن إلا بعد مكابدته وتشرب معانيه أولا، والمعاناة في ذلك أولا وآخرا، وبعد ذلك، وبعد ذلك فقط، يمكننا الكلام حول ما يأتي من بعده، من جهاد للنفس وفي الساحة إن توفرت الدواعي لذلك.

    ولكن الإنسان مع كل ذلك كان كفورا : " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً "،" إن الإنسان كان ظلوما جهولا". نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
     
    آخر تعديل: ‏18 مارس 2010
  6. سعد

    سعد مشرف ساحة الدعوة الإسلامية

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه

    بسم الله الرحمن الرحيم،

    نعم.. كما أن الماء يحيي الأرض الميِّتَةَ فتصبح جنات و أشجاراً، كذلك حقائق القرآنِ و الإيمانِ إن نزلت على قلب غافل أو عاص.. لاشك أنها ستحييه بعد موتِه، لكن : إن كانت هذه الأمطار الإيمانية نازلةً من قلب مخلص صادق ذائق لهذه المعاني.

    فأصحاب هذه القلوب، الذين هم كالرياح تحمل الماء و توزعه على المحتاجين، هم فقط من يملكون مفاتِح و أسرار الإحياء. هم أصحاب المعاناة، المتصلون بكلام اللهِ و بآياته في الكون.. حرارة الهمِّ الدعوي في نفوسهم كالرياح العاصفة : تذرف من عيونهم عيونا من دمع صاف، تسقي الأرضَ اليابسة فتصير جنات بإذن الله. و كلماتُهم زفرات لاهبة توقظ النائم و تفتح الأبواب المستعصية، فَهُمْ بحق مجاهدون و بوادرُ بعث في النفوس و الآفاق.. نسأل الله أن يجعلنا معهم.
     
  7. المدير العام

    المدير العام الإدارة طاقم الإدارة

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه


    - الهدى المنهاجي:

    وينقسم إلى أربع رسالات هي كالتالي:


    - الرسالة الأولى:

    في أن التوحيد في الإسلام لا يكمل إلا بتوحيد المشاهدة! وهو مشاهدة توحيد الإثبات بعد النفي، وذلك بأن تشاهد أن كل شيء في الوجود هو له، وله وحده! وهو مقتضى شهادة أن: "لا إله إلا الله". فنفي الشريك متبوع بإثبات ربوبيته لكل شيء، تفريداً وتوحيداً. وهذا معنى عظيم قد تغفل عنه النفس على مستوى الشهود، فتقف عند حد النفي دون الإثبات. والمقصود هنا هو مشاهدة تجليات أسماء الله الحسنى على كل شيء، خلقا وتقديرا ورعاية وتدبيرا، مشاهدة تجعل المؤمن يحقق توحيد الألوهية في سيره إلى الله، رَغَباً ورَهَباً، بما بنبغي له سبحانه من كمال الجمال وعظمة الجلال! ولذلك فقد تواتر عن - النبي صلى الله عليه وسلم - ذِكْرُهُ لربه وتوحيده له بعبارة فيها من مشاهدات الإثبات ما يملأ النفس خوفاً ورجاءً ومحبةً؛ توحيدا لله الواحد الأحد. وذلك بعبارة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير!) فهذه الصيغة وردت عنه - صلى الله عليه وسلم - بطرق شتى ومناسبات شتى بلغت حد التواتر. وذلك لما فيها من مشاهدة وحدانيته تعالى، في ربوبيته لكل الملك والملكوت! وهذا التوحيد هو الذي يملأ أغلب سور القرآن الكريم.

    فهذا المعنى العظيم أنفع في تزكية النفس وإيقاظها من غفلتها؛ ولذلك بادر الله - جل ذكره وثناؤه - رسولَه الكريمَ بهذا السؤال الإرشادي الجميل، كما سبق بيانه، فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً..) الآيات، فقال: (إلَى رَبِّكَ!) أي إلى جمال فعله، وكمال نعمه، وعظمة قيوميته! فجعل سبحانه يعرض على عباده دقة صنعه، وكمال إحسانه؛ ليشاهدوا وحدانيته تعالى في كل شيء؛ فلا يتجهوا بالعبادة لأحد سواه في أي شيء!


    - الرسالة الثانية:

    في أن القرآن روح ما نزل ببلدة إلا أحياها! وما أُشْرِبَتْهُ نفس إلا أيقظها! وكان لها نورا وبركات. إن القرآن هو ماء القلوب وحياتها. ولقد كانت مشاهد الغيث المعروضة في الآيات وهي تتنـزل بالرحمة على العباد، صورةً حسية؛ لتقريب مشاهد الأنوار القرآنية وهي تتنـزل على القلوب المنشرحة لكتاب الله، تلاوةً وتزكيةً وتعلماً. أنوار تهطل بالبركات وبالحياة! فعجبا لمن يغلق أبواب صدره دونها، فيبقى قلبه أرضا مَواتاً! يرزح تحت صدأ الذنوب، ويقبع في ظلمات العَمَى!

    فيا صاحبي في طريق الآخرة! هذا باب الهدى من كتاب الله فتحه لك سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فادخلْ! إنه باب فسيح يرفعك الله به عبر معراج النور إلى أعلى مقام! قال صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا. وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلأً! فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ!)([1]). فانظر من ذلك لنفسك يا صاح، ماذا تختار!؟


    - الرسالة الثالثة:

    في أن الصبر على حقائق الإيمان في هذا الزمان، زمان الفتن اللاهب الشديد، والقبض على جمر الدين، مشروط بالتمسيك بالقرآن الكريم في مواجهة الكفار، وتيارات الزندقة والأشرار، ودجاجلة السياسة والثقافة والإعلام! ومجاهدتهم بمفاهيمه وحقائقه الإيمانية جهاداً كبيراً! وتحدي ما يصرون عليه من فتنة المسلمين في دينهم ومعتقداتهم، وفي أخلاقهم وأعراضهم وقيمهم!

    فالقرآن هو سلاح المؤمن في هذا العصر، سلاح ولا كأي سلاح! إن عبد الله الحق إذا أخذ كتاب الله بحق، وتلقَّى كلماته بحق، كلمةً كلمةً، كان في يده كـ"عصا موسى"! تحطم سحر هذا العصر من كل ضروب الدجل الإعلامي والثقافي والسياسي، وتبطل آثاره المدمرة في النفس وفي المجتمع! وإن كلمات القرآن لَتَبْهَتُ دجاجلةَ العصر، كما بَهَتَتْ عصا موسى سحرةَ فرعون قديما! فعجبا لمن يدخل معركة الإيمان مغتربا في زمان القبض على الجمر، ويخوض حربا من أجل البقاء بإيمانه، ضد أعداء الله، الذين تجردوا لمحاربة الدين وأهله، في هذا الزمان الشرس، ثم يغفل عن حمل السلاح الحق، سلاح القرآن! ويتدرع بأسلحة أخرى هي أوهى من خيوط العنكبوت!

    فيا صاح! هذا رب العزة - جل جلاله - يتوجه إليك تكليفاً برسالة القرآن عبر قضيتين اثنتين: نهي وأمر، ولا يتم لك أحدهما إلا بالدخول في الآخر. وبيان ذلك كالتالي:
    - أولا: النهي، وهو متعلق برفض الطاعة الثقافية للكافرين، وإعلان التمرد على قيمهم وأخلاقهم وثقافتهم! فإذا تحققتَ من ذلك فاعلم أنك محارَب لا محالة! ولذلك جهزك الله تعالى بأمر، وهو:

    - ثانيا: مجاهدة الكفار وأذيالهم بحقائق القرآن ومفاهيمه جهاداً كبيراً! وذلك هو المجموع نَصّاً في الآية المنهاجية العظيمة: (فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ! وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً!) والسياق واضح في أن هذا الجهاد هو جهاد معنوي كبير، وهو - لمن عرفه وعاشه - أشد على النفس من الجهاد المادي؛ ولذلك أكده بهذا المفعول المطلق توكيدا موصوفا بالكِبَرِ؛ زيادةً في التوكيد والتعظيم! فقال: (جِهَاداً كَبِيراً!)


    - الرسالة الرابعة:

    في أن شرط عمل القرآن بيد العبد المجاهِدِ به - بما هو سلاح فرقاني - هو تحقيق اليقين في فرقانيته! يقين مُشاهَدة، تماما كما تشاهد عظمة الله - جل جلاله – عيانا في معجزة البحار والأنساب! خَلْقاً وتقديراً! وما يتضمن ذلك كله من قوة، وحكمة، ومنفعة، وخير، وبركة! فمتى وجد المؤمن هذا اليقين اشتعل نور القرآن في قلبه وأضاء كل جوانجه، فيصعد بمقامه حتى يصله بنور الملأ الأعلى! وآنئذ تشتغل معجزة القرآن الفرقانية بين يديه، سلاحا كونيا لا يرى منه إلا عجبا! تماما كما وصف الله جل جلاله: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ! وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ!)(الأنبياء: 18).


    4- مسلك التخلق:

    وبيان مسلك الفوز بمقام هذه الكلمات والتحقق بأخلاقها، متعلق ببيان كيفية "الجهاد بالقرآن"، وبيان المدخل العملي للتخلق بمقام ذلك الجهاد! وهو كما يلي:

    للجهاد المعنوي بالقرآن - أو "المفهومي" - خطان اثنان: عمودي وأفقي.

    فأما العمودي: فهو راجع إلى الدخول الفردي، لكل نفس في نفسها، في ابتلاءات القرآن دخولا ذاتيا؛ حتى تكتسب من منازل العبدية الخالصة لله يقينا عاليا يؤهلها لولاية الله! ودون ذلك صدق عزيمة وانطلاق مسيرة. أي لا بد للمؤمن أن يتخذ قراره الذاتي الباطن، بالرحيل إلى الله، والهجرة إلى منازل الإخلاص واليقين، والالتحاق بقافلة الصديقين! بتلقي كلمات القرآن، تهذيبا وتشذيبا لنفسه وتخليصا لها من العلل والأدواء، حتى تتجرد لله وتصفو له وحده؛ لأن الذي لم يجاهد زوائد نفسه من الشهوات والهفوات لن يستطيع جهاد غيره أبداً!
    - وأما الأفقي: فهو الدخول في بلاغ كلمات القرآن، عبر الإسهام الفعال في نشر حقائقه الإيمانية في المجتمع، في سياق مجاهدة مفاهيم الباطل، ومدافعة برامجه المخربة للدين. ولا أبلغ في إنجاز ذلك من تأسيس مجالس القرآن في كل منطقة وقطاع. إن العامل لله حقّاً، الخادم لكتاب الله صدقاً، يحمل هم البلاغ القرآني دائما أبدا. يسأل عن أحوال المسلمين هنا وهناك، فإذا ما بلغه خبر موقع معلول بادر بالرحيل إليه – كما رحل أصحاب رسول الله إلى كل الآفاق! - حاملاً معه الدواء الرئيس، ألا وهو تأسيس مجلس قرآني، بَذْرَةً تتناسل جذورُها - بعد ذلك - لِتُنْبِتَ مجالسَ قرآنيةً أخرى، تملأ البيئة بنور الله، فتدفع بذلك المنكر الزاحف على البلاد والعباد، وتستقيم الوجهة لله. وإن دون ذلك لمعاناة! وإن دون ذلك لمجاهدة! وإن دون ذلك لمكابدة! ولكن، كل معاناة، وكل مكابدة، وكل مجاهدة في سبيل ذلك، تصبح لذة روحية، لا تنتهي حلاوتُها في حلق صاحبها إلى يوم القيامة!


    محبكم الشيخ فريد الأنصاري -رحمه الله-


    ----------------------------------------------

    [1]
    متفق عليه.


     
  8. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه


    وإن دون ذلك لمعاناة! وإن دون ذلك لمجاهدة! وإن دون ذلك لمكابدة! ولكن، كل معاناة، وكل مكابدة، وكل مجاهدة في سبيل ذلك، تصبح لذة روحية، لا تنتهي حلاوتُها في حلق صاحبها إلى يوم القيامة!


    مشكلنا الرئيس في التعامل مع القرآن ، أننا لم نذق المعاناة في التدبر بعد، ولا المعاناة في القيام بعد، ولا المعاناة في التفكر بعد، ولا المعاناة في تبليغ المعاناة بعد، إذ تدبر القرآن كله معاناة، "شيبتني هود وأخواتها" ، فكيف إذن بمن لم يعان بعد أن يبلغ المعاناة لغيره، وكيف بمن لم يشتعل أن يضيء، ولا حلاوة إلا بعد معاناة، ولا تدبر إلا بمعاناة، كما لا تكون الولادة إلا بعد مخاض، فإننا نحتاج إلى ولادة جديدة ، على منهج القرآن ، ولذلك لا بد لنا من صبر على الطريق، ولن تتضح معالم الطريق إلا بعد صبر ومكابدة، بالقيام والحفظ والتلاوة و التدبر للقرآن، ثم بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، نذوق حلاوة القرآن، وحلاوة الإيمان، ونحس بتدبر القرآن.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
     
  9. هشام ولشكر

    هشام ولشكر الإشراف

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه

    آيات علامات حقا وكل آيات القرآن علامات.
    علامات تعرف العبد بخالقه وتعرفه بحقيقة ما يحيط به من خلق الله ومن ثم تعرفه بحقيقة نفسه وسر وجوده وكلما تحقق من ذلك كان أعلم الناس والعباد بربه وأبصرهم بعلامات السير إليه وألزمهم لصراطه وأصبرهم على ابتلائه,
    إن لهذه الآيات-أيها الأحبة في الله ـ أسرارا وحقائق مكنونة تدعونا إلى التفكر في أدق الأشياء وأجلها في هذا الوجود مما يمر بيننا ويحدث حولنا قصد إبصار حقيقتها و الاعتبار بدلالاتها. ذلك أن آيات الخلق كله دالة على أعظم الحقائق بل أصلها ومنتهاها ألا وهي شهادتها على الله جل وعلا خلقا وتدبيرا إيجادا وتقديرا و,,,,,حتى إذا أبصر العبد ذلك وشهده مخبرا عاد عليه مظهرا بشهوده في كل حركاته وسكناته فمن عرف الله حقا شهده في كل شيء،نعم في كل شيء دقه وجله، ألا له الأمر كله ابتداء وانتهاء,
    هذه الدعوة إذن إلى النظر والتفكر في آيات الله المنظورة وما تعلق بها إيجادا وامتدادا رزقا وعطاء حركة و سكونا تطلعنا على حقائق كاشفة ورسائل تربوية خالدة لا في كونها مجرد موجودات وحسب وإنما أيضا من حيث دلالتها على أمر له تعلق بشأن من شؤون الربوبية وهو الوقت أي العمر وإنما الوقت بالنسبة لك أيها العبد هو العمر ولذلك كان الظل في هذه الآيات أول الإشارات إلى ذلك، فما كان أهل الإسلام قديما يحددون أوقات الصلاة إلا بالظل ـ ومن نظر في كتب الفقهاء وقف على ذلك جليا في باب أوقات أو وقوت الصلاةـ ومن هنا كانت دلالته أعمق في ارتباط حركة هذه الآيات بالعبادة من جهة وبحقيقة أخرى لو أبصرها الإنسان لعلم أن ما يجري على هذا الظل وما تعلق بحركته من أجرام رسالة ناطقة إليه أو قل على وجه التحديد رسالة الله إليه تذكره بالله و بحقيقة مصيره، فإن هذا العمر الذي يمر بك يا عبد الله ساعة ساعة و لحظة لحظة ويوما يوما، هو لحظات وساعات وأيام وسنوات تقتطع من عمرك الذي وقت سلفا وتقربك من أجلك الذي حدد أزلا ،نعم كل ذلك يحدث بيقين لكن بصورة يسيرة قد لانشعر بها و لاننتبه إليها كما لانشعر بحركة الظل أو الشمس أو القمر الذي يولد شيئا فشيئا إلى أن ينتهي ولكنه بيقين يتحرك ويسير، إنه إذن أمر قدري حاكم على كل شيء قبضا كما هو حاكم عليه بسطا,
    فانتبه إلى هذه الحقائق التي تطلعك على ذلك المآل القريب والمصير الحتمي الذي لامراد له قال تعالى (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) ذلك المصير الذي تساق إ ليه في كل يوم ليلا ونهارا صباحا ومساء غدوا وآصالا ، أنا وأنت إذن بمقتضى ذلك عباد حقا متجردون من كل شيء مملوكو ن غير مالكين وأنى لنا أن نتوهم خلاف ذلك فندعي الحرية المطلقة والملكية الباقية ونحن نشهد قبضة الله المتجلية في هذا الكون الفسيح بل وفي أنفسنا قبل ذلك قبضا وبسطا حياة وموتا
    فتأمل أيها الأخ الكريم بصرني الله وإياك بحقائق القرآن ما لهذه الآيات من أسرار وما تضمنته من رسائل نحن في أمس الحاجة إليها في سفرنا إلى الله وهي:
    أولا ـ أن ما من حركة في هذا الكون كله إيجادا ورزقا عطاء ومنعا حياة وموتا إلا وهي قائمة بإذنه الله محكومة بأمره,
    ثانياـ أنك عبد لله ماض فيك حكمه عدل فيك قضاؤه ، ما أنت إلا مملوك له ألا ترى أن وجودك بيده وحياتك بيده ونبضات قلبك بيده ويقظتك بيده ونومك بيده ورزقك بيده بل و قيام حركة الكون كله بيده من ذا الذي يحرك إذن هذا الظل وهذه الشمس وهذا القمر و هذا الماء وقس على ذلك؟ أم تراك قد نسيت ا نعم إنك عبد للملك وحظك من ذلك كله الشعور بعبديتك لله أولا ثم مجاهدة النفس على أداء حقها في سيرك إلى ربك عبادة وعادة,

    ثالثا ـأن لهذا السير مقصدا وغاية ومآلا أنت مقبل عليه حتما فاغتنم بسطة الله إليك قبل أن تحل عليك قبضته ,



    فاللهم أعنا على أداء حقك و أعنا على حسن السير إليك ولا تكلنا اللهم إلى أنفسنا طرفة عين ولا أدنى من ذلك


    آمين,
     
  10. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن وجهاديته ولعظمةِ فُرْقَانِيَّتِه

    الحمد لله الذي جعل سبب حياتنا ماء طهورا
    وكان ممكنا أن تكون حياتنا رهينة بشيء آخر غير طاهر كما بدأت من قبل بصلصال من حمإ مسنون...

    لكنه جل وعلا أبى أن تكون حياتنا صالحة إلا بالماء الطاهر الطهور:

    "وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً"



    وكما لا تحيا أبداننا إلا بالماء الطاهر الطهور، فلن تحيا قلوبنا إلا بالقرآن الطاهر الطهور،
    وبما أن الماء الملوث يصيب الأبدان بأمراض عدة وخطيرة،وقد تكون مميتة، فكذلك تعريض القلب إلى فتن ملوثة من شبهات وشهوات، قد تؤدي بالقلب إلى ما أدى إليه الماء الملوث بالبدن

    فاللهم طهر قلوبنا بالقرآن، ونورقلوبنا القرآن، واجعلنا من أهلك أهل القرآن, اللهم آمين.
     

مشاركة هذه الصفحة