المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

الموضوع في 'سورة الفرقان' بواسطة فريد الأنصاري, بتاريخ ‏26 سبتمبر 2009.

  1. فريد الأنصاري

    فريد الأنصاري الإدارة

    المجلس الخامس
    في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    1- كلمات الابتلاء​
    وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّـوا السَّبِيــلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19)

    2 البيان العام:​
    الحشر!
    هذا المشهد الرهيب، واحد من أعظم مشاهد الساعة! ومن أشدها ثقلا على الناس! فهو يوم الجمع! الجمع الشامل للبشرية كلها، من أولها إلى آخرها، وهو يوم الفصل! الفصل السريع والقضاء العادل! يوم إعلان النتائج! بعد الابتلاء الدنيوي الذي مضى وانقضى! قال تعالى مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سورة الشورى: (وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ! فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ!)(الشورى: 7).

    تلك هي خلاصة الحياة الدنيا! بكل ما مر فيها من عجيج وضجيج! وبكل ما تعاقب فيها من أجيال وقرون! ومن ظَلَمَةٍ ومظلومين، ومن حكام ومحكومين، ومن طغاة ومستضعفين، ومن كفرة ومؤمنين، خلاصةٌ واحدة: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ!)
    فعند الحشر يجمع الله المشركين وما كانوا يعبدون من دونه، من أحجار وأشجار، ومن جن وإنس! ليناقشهم الحساب حول القضية الكبرى في الدين! قضية الإخلاص والتوحيد! فيقول سبحانه لهؤلاء المعبودين من دونه: أأنتم فعلا أضللتم عبادي هؤلاء عن حقيقة الإخلاص؟ وأمرتموهم بعبادتكم من دون الله رب العالمين؟ أم هم ضلوا السبيل من تلقاء أنفسهم؛ فعبدوكم طواعيةً؟ فيقولون منـزهين ربهم عن الشرك والشركاء: سبحانك يا ربنا! وتعاليتَ عَمَّا فعل هؤلاء المشركون! فما ينبغي لنا أن نَتَّخِذَ أحداً سواك وليّاً نواليه ضد الإخلاص لك وحدك! ولكن حكمتك قضت أن تُمتع هؤلاء المشركين وآباءَهم في الدنيا - ابتلاءً لهم - بالمال والقوة والجاه والسلطان، فطال عليهم العهد بذلك؛ حتى نسوا ذكرك، وانقطعوا عن كتابك؛ فأشركوا بك ما لم تُنَـزِّلْ به سلطاناً، وكانوا بذلك قوماً بُوراً، أي: هَلْكَى أشقياءَ خاسرين!
    فيقال آنئذ للمشركين: لقد كذَّبكم هؤلاء الذين عبدتموهم في ادِّعائكم عليهم! فلم تبق لكم من حجة! فها أنتم هؤلاء لا تستطيعون دَفْعاً للعذاب عن أنفسكم ولا نصراً لها! والنتيجة أن من يظلم نفسه فيشرك بالله ويعبد غيره، ثم يمت على ذلك، يعذبه عذاباً شديداً!

    3- الهدى المنهاجي:

    وهو هنا ينقسم إلى ثلاث رسالات، هي كالتالي:

    - الرسالة الأولى:
    في أن الحشر حقيقة من أهم الحقائق الإيمانية التي تقوم عليها عقيدة اليوم الآخر في القرآن. و"الحشر" لفظ عميق الدلالة على معنى الجمع الشامل الكامل، لكل من قدر الله جمعه في هذا اليوم بعد البعث والنشور! مما ذكره تعالى في كتابه من الإنس والجن والوحوش وما شاء الله! (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ!)(الأنعام: 37).
    الحشر بدلالته على خضوع المحشورين، واستسلامهم لمن يحشرهم ويزجرهم إلى ساحة المحشر العظيم، خاضعين مترقبين! للوقوف بين يدي ربهم، لهو من أعظم حقائق الإيمان في القرآن! مما وجب على المؤمن استحضاره في دينه ودعوته، بالقدر العظيم الذي جعله له القرآن في خطابه، مما لا تكاد تخلو منه سورة من سوره، كما في قوله تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً! وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً! لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ! بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً!)(الكهف: 47-48).
    فهذا المقصد الإيماني العظيم يورث النفس مقام الذلة لله، ويصفي إخلاصها له وحده دون سواه، ثم ينشط عزائم الروح في سيرها التعبدي رغَباً ورَهَباً، وشَوْقاً إلى لقاء الله.

    - الرسالة الثانية:
    في أن الشرك هو فيصل الولاء والبراء في الدين. فهو الذنب الذي لا يغفره الله - جل جلاله - لمن مات عليه أبداً! لأنه خَرْمٌ وخيانةٌ لأعظم حق من حقوق الله! بما هو رب العالمين، الخالق للجِنَّةِ والناس أجمعين. فَحُقَّ عليهم بذلك عبادته وحده؛ لأنه هو الخالق وحده! فمن خان هذا الحق الإلهي هلك هلاكا مبينا! وكان في الآخرة من الخاسرين!
    ولذلك وجب على المؤمن في أصول إيمانه أن يتبرأ من الشرك والشركاء! ومن هنا جاءت سورة "الكافرون" في القرآن، بما فيها من نفي مكرر، بصيغ شتى، لأي صورة من صور التداخل بين الشرك والإيمان، براءةً لقارئها المؤمن بها من الشرك، كما في الحديث النبوي الصحيح. والشرك بالله ظلم كبير، ينتج عنه من الله عذاب كبير، والعياذ بالله! وهو مقتضى قوله تعالى، في سياقنا هذا من سورة الفرقان: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً!)
    ولذلك بادر هؤلاء الْمُدَّعَوْنَ آلهةً – قبل ذلك - إلى إعلان الولاء لله والبراء من الشرك، مباشرة بعد سماع سؤال الله لهم فيما نُسِبَ إليهم من الإضلال عن التوحيد: (قَالُوا: سُبْحَانَكَ! مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ!) لأن توحيد الولاء لله في أمر الدين يقتضي البراء التام من كل ضروب الشرك والشركاء؛ إذ هما نقيضان لا يجتمعان في دين الإسلام الخالص أبداً! وهي قضية لا تنازل فيها ولا تفاوض أبداً!

    - الرسالة الثالثة:
    في أن الإسراف في متع الدنيا وشهواتها من شأنه أن يُنسي العبدَ - شيئا فشيئا - حقيقة عبديته لربه؛ فينقطع عن ذكره وتلاوة كتابه، ثم يقع في غفلة شاملة ونسيان روحي عميق! فيتيه في ظلمات الشركيات بما تزينه له الأهواء والشهوات، إلى أن يصل إلى دَرَكِ الانحراف الكامل والضلال المبين! ويكون من الهالكين!

    4- مسلك التخلق:

    فيا أخي في طريق الآخرة! بين يديك الآن في سيرك إلى الله ثلاثة أمور، هي خلاصة هذا المجلس وزبدته. الأول: عمل تلزمه، والثاني: حَادٍ تستصحبه، والثالث: قاطع طريق تحذره!
    فأما العمل الذي تلزمه فهو: تحقيق خُلُقِ الإخلاص في كل عبادتك، والتثبت من ذلك تحقيقا وتدقيقا؛ حتى يكون العمل بالفعل كله لله! وذلك بمجاهدة النفس عند مدافعة طوارئ الرياء، وصد رغائب الحظوظ الدنيوية المذمومة، التي ترميك بالخواطر الشيطانية من حين لآخر! فاجعل هذا أساس عملك، ومقياس مقامك، وباب معراجك التعبدي إلى مولاك، لا باب لك سواه! فلأن تُقَدِّمَ بين يدي لقائك بالله عملا واحدا مهما قَلَّ، لكن تحققتَ فيه بمقام الإخلاص، خيرٌ لك من القناطير المقنطرة من الأقوال والأفعال التي خرمتها الشركيات الحسية والمعنوية، والنيات الباطلة، المحبطات للأعمال! (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ! بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ!)(الزمر: 65-66) فالإخلاص هو جوهر العمل في الدين كل الدين. تلك قضية من أمهات قضايا علاقتك بالله! ما كان ينبغي لي ولك يا صاح أن ننساها أبداً!
    وأما الحادي الذي تستصحبه فهو: مَشْهَدُ الحشر إلى الله، كما تصوره لك البصائر القرآنية المبينة! مَشْهَدُ الأمم من العالمين إنسا وجنا، ووحشا وطيرا، وهم ينسلون من قبورهم، ويتدفقون في هلع رهيب إلى ساحة المحشر الكبرى.. كل منهم قد أهمته نفسه، ونفسه فقط! ولا تنس يا صاح! فأنا وأنت هنالك بين أمواجهم! يا الله..! ما أردعه من مشهد عظيم للأهواء والأدواء! وما أفزعه للنفس المؤمنة بالله! وما أيقظه لها من غفلتها! وما أشده تنشيطا لها في سيرها إلى مولاها جل علاه!
    وأما قاطع الطريق الذي تحذره، فهو: الإسراف في استهلاك المباحات، بما يجعلها في نفسك مقدمة لتشهي المحرمات! وإذن يـثقل خطوك في طريق الله شيئا فشيئا؛ حتى تجتالك الشياطين، وتنقطع بك عن طريق الصالحين! وذلك استدراج من أخطر حبائل الشيطان اللعين! عافاني الله وإياك من الوقوع في مصائده وشِرَاكِهِ!

    انتهى​
     
  2. أمين

    أمين مشرف

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    بارك الله فيك دكتور على مقدمتك
    حقيقة يصعب الرد والإضافة بعد ما تفلضت به

    أحب فقط أن ألخص ما توصلت إليه من هذه الآيات : أن السالك إلى الله، الراغب في تحصيل الإخلاص التام لله عز وجل، عليه أن يستحضر دئما يوم الحشر، ويستحضر أن الله تعالى سيسألنا فيه عن أعمالنا وعن حقيقة نياتنا

    وباستحضارنا لهذا المشهد سنصل إلى الإدراك التام لقدرة الله تعالى أولا وآخرا، ونحس بأنه لا مفر ولا ملجأ إلا إليه سبحانه، وأنه هو الواحد الأحد مالك الملك الذي يستحق منا أن نخلص نياتنا وأعمالنا له، لأننا إن أشركنا به أو إن لم نخلص نياتنا له، فسنخسر آخرتنا، وسيأتي يوم نقول لله تعالى في يوم الحشر
    سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ، وآنذاك أي ندم سينفع وأية حسرة ستنجيك من عذاب الله في ذلك اليوم.

    ستتضح لك حقيقة الأمور متى تأملت ذلك
    وستقتنع اقتناعا تاما بإخلاص حياتك كلها لله

    فهذه بداية الطريق لتقوية إخلاصك متى أرادت نفسك أن تغفل

    فيأتي التنزيل ويأتي العمل، وتأتي معهما المعيقات والفتن، إنها الدنيا بمباحاتها ومحرماتها

    هنا يأتي دور المؤمن العملي بأن يحذر كل الحذر في الانغماس في الدنيا، والابتعاد عنها
    ما أمكن لكي لا تجره إليها فيصدأ قلبه من كثرة الغفلة، ويكون عرضة للسقوط بسهولة في شباك المعاصي، فيضيع الإخلاص...

    نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل
    وأن يجعل صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا له وحده لا شريك له

    والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


     
  3. فارس

    فارس مشرف ساحة خواطر قرآنية

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    نعم إنها قضية البعث ، قضية الكون كلّه ، قضية الخلق ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون)، قضية من أجلها قامت السماوات و الأرض ، فما الدنيا إذن إلا مسرحية و تمثيلية نحن أبطالها ، و ما إن تنتهي (قصة الحياة) حتى ينفضّ الجميع ، فتترك القاعة لقوم آخرين .
    فمن مات قامت قيامته ، وبدأ العدّ العكسي لحياته ، فينتظر المرء اليوم الموعود في قاعة ليست كالقاعات ، إنها " ظلمة القبر" ، يلتحف عمله و يفترش ما قدّم . إنها ليلة ليست كالليالي ، فما أوحشها من ليلة و ما أغربها من لحظة : ليس الغريب غريب الشام و اليمن ، إن الغريب غريب اللحد و الكفن ، فالزمان يتوقف و الكلّ ينتظر ذلك الموقف الرهيف ، تلك اللحظة الخالدة ، يوم يقوم الناس لرب العالمين. إنه يوم الحشر ، تصوّر تلك الوفود تخرج من الأجداث سراعا مهطعين إلى الداع ، إنها زجرة واحدة و صعقة مدوّية يفزع و يصعق لها من في السماوات و الأرض ، فإمّا مشيا إلى أرض المحشر وفدا أو سَوْقاً أو تخبّطا أو أو .
    أتصوّر الواحد منا أنه سيمثل أمام تلك المحكمة الربانية قاضيها مالك الملوك العدْل الجباّر ، تبصر " و كلهم آتيه يوم القيامة فردا" ، من سيتخلف عن الموعد ؟ لا أحد " لقد أحصاهم و عدّهم عدّا و كلهم آتيه " ، فيا نفسي أأعددتِ للسؤال جوابا ؟ أين يقينك بهذا اليوم ؟ أرضيتِ بالحياة الدنيا من الآخرة ؟ أجيبي و إلا فلتعلمي أنني لن أتركك تقامرين بمصيري يوم المعاد ، فمدّي يدك يا نفس إليّ و لنقبل سويّا إلى رب العالمين و لنعقد صلحا ليس للشيطان فيه نصيب ، فإني أخشى أن أقف أنا و إياك نتخاصم على رؤوس الأشهاد .
    إني أعلم أنك مطيتي إلى الله و بدونك لا أمل لي في السفر ولا حظ لي في السير إلى الله ، إني أعلم أني أظلمك أحيانا بحرمانك من القرب من مولاك ، فالذنب تلطيخ لصفوك و نسيان الآخرة كسر لإرادتك ، و لذلك حين الذنب أول ما أنادي به مولاي " ربنا ظلمنا أنفسنا" ، نعم ظلمتكِ حقا . فلتشربي الآن كأسا من معين الآخرة لعلّك تشفين من أمراضك .
     
  4. أبوأمامة-أيت باحدواسماعيل

    أبوأمامة-أيت باحدواسماعيل مشرف ساحة مشروع بصائر

  5. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، جزاكم الله خيرا أستاذنا على ما تبذلون من جهد للإسلام و الدعوة إليه من غير كلل و لا ملل، نسأله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص التام له وحده سبحانه.
    الإخلاص التام لله و حده، استحضار اليوم الأخر، التقليل من الشهوات المباحة الزائدة: غذاء كامل لمن أراد التمتع بصحة إيمانية جيدة، و زاد كاف و دليل موصل لمن أراد الوصول بسلام في رحلة سفره إلى ربه، فأما الإخلاص فبوصلة الطريق التي من حاد عنها ضل و أضل، و أما استحضار اليوم الآخر فالحادي المؤنس الذي من غفل عنه كسل و مل، وأما الشهوات فقاطع الطريق الذي من ذهب إليه أخذ متاعه و زاده ففشل.
    فنحن في هذه الدنيا عابروا سبيل، وهم عابر السبيل الوصول و الخوف من عدم الوصول ، و من خاف أدلج، و من أدلج بلغ المنزل.
    و كل من فقد البوصلة فضل السبيل، فهو مخاطب بهذه الآيات لامحالة، و من علامات ذلك الغفلة عن الذكر و نسيانه، " حتى نسوا الذكر و كانوا قوما بورا" فمن أراد معرفة إخلاصه لله، فلينظر لذكره لله خفية بلسانه و قلبه، كيف حاله؟ كم مقداره؟ فمن وجد خيرا فليحمد الله و ليزد في ذكره، و من و جد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، وليتب و ليذكر ربه.
    و من غاب عنه الحادي المذكر بمكان الوصول و المشوق إليه، لم يعد لسفره معنى البتة، أي لم يعد لحياته معنى البتة، فهو بذلك يموت لا موتة البدن و لكن موتة القلب، ولا بد لقلبه من روح ليحيا مرة أخرى، وهذا الروح هو كلام الله :القرآن ، " و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان، و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم ..." الآيات. و لذلك لا تكاد كل سور القرآن تخلو من هذه الحقيقة الكبرى، و لذلك يقرن الله دائما بالإيمان بالله و اليوم الآخر في معظم الآيات.
    و من اعترضه قاطع طريق فلا بد له أن يقتله أو على الأقل أن يبعد خطره عنه، ومن كثرت عليه الشهوات فلا بد من قتلها أو قهرها ، ولا يتم ذلك إلا بالتزكية ، و لا تتم التزكية إلا بالدعاء، " ولولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكى منكم من أحد أبدا" فاسألوا الله التزكية يزكي نفوسكم ، و اسلكوا من أجل ذلك سبب المجاهدة و إن كان صعبا على النفس، و إنما الموفق من وفقه الله.
    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
     
  6. سعد

    سعد مشرف ساحة الدعوة الإسلامية

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    السلام عليكم و رحمة الله،

    صدقتم جميعا، فاستحضار اليوم الآخر هو فعلا لجام يمنع المسلم من أن يضل وسط متاهات الحياة الدنيا. و يمكن لكل منا أن يتفكر في نفسه قبل غيره : كيف يكون حاله عندما ينسى ذكر الآخرة؟ هذه أمثلة :

    --> تصير العبادات صورا شكلية لا روح لها
    --> يستثقل سماع القرآن و الذكر

    فحري بنا أن نستحضر من حين لآخر مشاهد الحشر و الحساب و الجنة و النار. و لا شك أن من يواظب على قراءة ورده القرآني كل يوم ـ و إن كان قليلا ـ بتدبر و حضور قلب فإنه لن يغفل عن الآخرة. لأنه لا تكاد تخلو صفحة من المصحف من ذكر لهذه الحقائق الإيمانية.
     
  7. بن أفراعي

    بن أفراعي عضو جديد

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    حقيقة إن الحديث عن الحشر هو الحديث الذي يزلزل كيان كل مؤمن، كيف لا وهو يوم الامتحان العظيم، يوم تبيض فيه وجوه وتسود فيه أخرى.يوم الفوز أو يوم الخسران المبين.نعوذ بالله من الخسران
    فهنيئا لمن سيحشر في زمرة السعداء وما أتعس من سيحشر أعمى فيسأل ربه: ( رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى)
    فالمدار إذن هو التمسك بكتاب الله والعمل بما جاء فيه. والعروج إلى الله بسلام يقتصي اتخاذ بصائره وهداه مطايا والتخلق بخلق الإخلاص الذي هو أس كل عمل مهما حقر أو عظم (تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).
    والإخلاص هو الإحسان والإحسان هو: ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
    بمعنى أن نجعل الله نصب أعيننا مهما كنا صغارا أوكبارا ضعفاء أو أقوياء حكاما أو محكومين لأنه بكل بساطة لربنا الرجعى وهو رب الخلق والحشر ورب كل شيء سبحانه وتعالى .
    وصدق الله حين قال: (قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون)
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    شافاك الله وعافاك أستاذنا الكريم
     
    آخر تعديل: ‏12 نوفمبر 2009
  8. محمد

    محمد مشرف ساحة القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله عل

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم و رحمة الله

    الحمد لله على نعمة القرآن كم أيقظت من غافل وسرت به من حنادس الظلمات إلى أنوار المعرفة والقربات.
    إن هذه الكلمات تنقلنا في رحلة من الزمن الفاني إلى الزمن الباقي.هناك ، يعرض لنا سبحانه مشهدا من أبلغ المشاهد تأثيرا؛ إنه لحظة المواجهة والمكاشفة حيث يجمع الله الذين استضعفوا والذين استكبروا ، الذين عبدوا و الذين استعبدوا لفصل الخطاب.لكن الحوار يأتي بغير الحال التي كان عليها في الدنيا ،ولا غرو ما دام ذاك هو يوم الحشر حيث ينكر العبد قرابته رجاء خلاصه فكيف بمن هو خصم له أو لا قرابة له !
    إن القبر أول منازل الآخرة كما تفضل بذلك أحد الإخوة ، وقد قدر الله اليوم وفاة أحد المسلمين والصلاة عليه بمسجد الحي ويسر لي حضور دفنه.ولا أخفيكم سرا إن المشهد لمهيب حقا.
    فيا نفسي اللجوجة السادرة في غيها إعلمي وأيقني أن من شيعته
    قد قامت قيامته وأنه لك اليوم عبرة وعما قليل تكونين أنت العبرة.

    اللهم صل وسلم على من وصانا بزيارة المقابر لأنها تذكر الآخرة.
     
  9. بن أفراعي

    بن أفراعي عضو جديد

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    (فيا أخي في طريق الآخرة! بين يديك الآن في سيرك إلى الله ثلاثة أمور، هي خلاصة هذا المجلس وزبدته. الأول: عمل تلزمه، والثاني: حَادٍ تستصحبه، والثالث: قاطع طريق تحذره!
    فأما العمل الذي تلزمه فهو: تحقيق خُلُقِ الإخلاص في كل عبادتك، والتثبت من ذلك تحقيقا وتدقيقا؛ حتى يكون العمل بالفعل كله لله! وذلك بمجاهدة النفس عند مدافعة طوارئ الرياء، وصد رغائب الحظوظ الدنيوية المذمومة، التي ترميك بالخواطر الشيطانية من حين لآخر! فاجعل هذا أساس عملك، ومقياس مقامك، وباب معراجك التعبدي إلى مولاك، لا باب لك سواه! فلأن تُقَدِّمَ بين يدي لقائك بالله عملا واحدا مهما قَلَّ، لكن تحققتَ فيه بمقام الإخلاص، خيرٌ لك من القناطير المقنطرة من الأقوال والأفعال التي خرمتها الشركيات الحسية والمعنوية، والنيات الباطلة، المحبطات للأعمال! (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ! بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ!)(الزمر: 65-66) فالإخلاص هو جوهر العمل في الدين كل الدين. تلك قضية من أمهات قضايا علاقتك بالله! ما كان ينبغي لي ولك يا صاح أن ننساها أبداً!
    وأما الحادي الذي تستصحبه فهو: مَشْهَدُ الحشر إلى الله، كما تصوره لك البصائر القرآنية المبينة! مَشْهَدُ الأمم من العالمين إنسا وجنا، ووحشا وطيرا، وهم ينسلون من قبورهم، ويتدفقون في هلع رهيب إلى ساحة المحشر الكبرى.. كل منهم قد أهمته نفسه، ونفسه فقط! ولا تنس يا صاح! فأنا وأنت هنالك بين أمواجهم! يا الله..! ما أردعه من مشهد عظيم للأهواء والأدواء! وما أفزعه للنفس المؤمنة بالله! وما أيقظه لها من غفلتها! وما أشده تنشيطا لها في سيرها إلى مولاها جل علاه!
    وأما قاطع الطريق الذي تحذره، فهو: الإسراف في استهلاك المباحات، بما يجعلها في نفسك مقدمة لتشهي المحرمات! وإذن يـثقل خطوك في طريق الله شيئا فشيئا؛ حتى تجتالك الشياطين، وتنقطع بك عن طريق الصالحين! وذلك استدراج من أخطر حبائل الشيطان اللعين! عافاني الله وإياك من الوقوع في مصائده وشِرَاكِهِ!)
    بهذه الكلمات النورانية ختم المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان وليس ذلك صدفة -كما تعلمنا منه و كما كان يقولها (أنا لا أحب كلمة صدفة)- وإنما هي حكمة الله أراد أن يكون الختام بسورة الفرقان وبالأخص بالحديث عن الحشر لنتعلم من هذا العالم الرباني (ولا نزكي على الله أحدا والله حسيبه) ونستمر في التعلم ولكن ليس أي تعلم ولكن التعلم المزين بالإخلاص.
    العلم والتعلم الذي ينطلق بالله ولله. ولا أنسى أن أذكر بأنا تعلمنا منه الكثير والكثير تعلمنا منه كيف نتدارس القران وتعلمنا منه كيف نعظ الناس وتعلمنا منه كيف نخطب خطبة الجمعة وتعلمنا منه الحكمة في الخطاب...
    ولكن هل تعلمنا منه الإخلاص وحب القران ونكران الذات والتفاني في طلب العلم والتفريد والتجريد’ ودائما يذكرنا بسبق المفردون؟
    فرحمة الله عليك يا فريد مكناسة الزيتونة يا من خسرتك كيف لا وكنت منارتها ولا زلت. فآثارك تدل عليك وتركتك العلمية شاهدة عليك.
    أسكنك الله الفردوس الأعلى مع نبيه المصطفى سيدنا محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم.
    وختاما أقول فيك ما قاله فيك شيخك وأستاذك حفظه الله: (لقد أدلجت فبلغت المنزل).
    بلغك الله المنازل العلى عنده في مستقر رحمته.
    وعزاؤنا هو قوله تعالى : (كل نفس ذائقة الموت) وإنا لله وإنا إليه راجعون.
     
  10. سعد

    سعد مشرف ساحة الدعوة الإسلامية

    رد: المجلس الخامس من مدارسة سورة الفرقان: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء

    السلام عليكم و رحمة الله،

    إن هذه الكلمات الربانية لهي شديدة الوقع على القلب حقا!

    (و يوم يحشرهم و ما يعبدون من دون الله). سبحان الله! أيام كنا صغارا في المدرسة، عندما لا نحل الواجب المدرسي، يراودنا الأمل في أن لا يختارنا الأستاذ لنحل التمرين. و فعلا، ففي بعض الأحيان يغفل عنا و تمر الأزمة بسلام.

    و لله المثل الأعلى! يوم الحشر، يوم تعرض الأعمال بين يدي رب العالمين، هل هنالك أمل في التخفي بين الملايير؟؟ كلا، لا وزر! (لقد أحصاهم و عدهم عدا. و كلهم آتيه يوم القيامة فردا). كل فرد منا سيقف بين يدي ربه، و سيسأله عن الصغيرة و الكبيرة. لا مجال للهرب، و لا جاه و لا شرف و لا شفاعة تنفع في النجاة من هول الموقف... إلا عمل صالح قدمه في دنياه لأخراه.

    فيا ربنا! إن الموت يختطفنا بلا استئذان. و إن أعمالها لهي من الرداءة بمكان! فتقبل منا و تجاوز عنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!​
     

مشاركة هذه الصفحة