المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان :في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

الموضوع في 'سورة الفرقان' بواسطة فريد الأنصاري, بتاريخ ‏23 أغسطس 2009.

  1. فريد الأنصاري

    فريد الأنصاري الإدارة

    المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان
    في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى


    1_ كلمات الابتلاء:

    "بَـلْ كَذَّبُـوا بِالسَّاعَـةِ! وَأَعْتَدْنَـا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيـراً (11) إِذَا رَأَتْهُـم مِنْ مَكَانٍ بَعِيـدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيـراً (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (13) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16).

    يتبع
     
  2. فريد الأنصاري

    فريد الأنصاري الإدارة

    تابع: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان
    تابع
    2- البيان العام:
    بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ!.. الله أكبر!
    تلك هي المشكلة الكبرى للإنسان! وتلك هي القضية الكبرى للكون كله! الساعة! إنها هي أعظم بلاغ قرآني - بعد الإيمان بالله – جاءت رسالات الله تحمله إلى الناس! قال جل جلالُه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ! يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ!)(الحج:1-2).
    ولذلك كان (الإيمان بالله واليوم الآخر) ثنائية عَقَدِيَّةً تقوم عليها كل الحقائق الإيمانية الأخرى في الإسلام؛ لما لهما في ميزان الله من موقع عظيم في أمره الكوني القدري، وفي أمره التشريعي التكليفي معا! ولذلك تكرر الخطاب بهما في القرآن والسنة تكرارا! فلا أمر ولا نهي إلا بعد حسم قضيتهما مع الإنسان! قال جل جلاله: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِر!)(البقرة:232)، وقال رسوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب منكم أن يُزَحْزَحَ عن النار ويدخل الجنة؛ فلتأته منيتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر!)( )

    الساعة! ذلك النبأ العظيم الذي جاء القرآن لينذر به العالمين! وبيَّنَ بياناً في غير ما موطن من آياته وسوره أن بناء الكون الدنيوي له ساعة ينهار فيها، ثم يفنى بإرادة الله، فلا يبقى شيء إلا الله الواحد القهار! وإنه لقريب قريب!
    الساعة؟ ذلك هو السؤال الأزلي! فلم يزل الإنسان - مذ كان - يتوجس وقوعها، ويتحسس وقتها وحقيقتها؛ حتى ولو كان من الملحدين! لأنها حقيقة فطرية صارخة في عمق الوجود النفساني للإنسان! لكن الله - جل جلاله - أنبأه أنها سر من أسرار قضائه الكوني: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا؟ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ. ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ! لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً! يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ!)(الأعراف:187). وقد ورد في التفاسير أن العرب واليهود كانوا كثيري السؤال لمحمد - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة! كانوا يسألونه ظانين أنه حَفِيٌّ عنها، أي كثير السؤال - مثلهم - لربه عنها. إذ لا يُتصور في الإنسان – بطبيعته - إلا السؤال عن الغوامض الكونية. ولذلك قال: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ!) إنها حدث كوني عظيم، يمتد من السماء إلى الأرض. ليحدث ذلك التحول الرهيب في طبيعة الكون، تدميرا ثم تكوينا، وإفناء ثم خلقا؛ لاستقبال الحياة الأخرى. وإن أمرها في ميزان الله لعظيم، وإنه لقريب قريب
    !

    والساعة: هي القيامة، والواقعة، والقارعة، والصاخة... إلى غير ذلك من الأسماء التي عبر فيها الرب العظيم عن لحظة نهاية الكون. فالكون الدنيوي إذن تكوين ابتدائي، وحياة فانية، والكون الأخروي تكوين استئنافي، وحياة خالدة أبداً! قال جل جلاله: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ!)(الأنبياء:104).
    ومن هنا كان خطاب الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في شأن هؤلاء الكفار، أن قضيتهم أساسا ليست في تكذيبك يا محمد؛ بقدر ما هي في التكذيب بالساعة ابتداءً! فما كذبوك لأنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، ونحوها من العلل الزائفة والضعيفة، بل كذَّبوا بالساعة وما وراءها من جزاء! وهذا التكذيب في حقيقته إنما هو تكذيب من يرفض حقيقتها؛ لأنه لا يريد وقوعها ولا يتمناه! وهو يحمل من خشية تحققها ما يجعله تكذيبا مهتزا ضعيفا! ثم إنه لا حَقَّ للإنسان في التكذيب بها؛ لأنها في بَدَهِيَّتِهَا كالتكذيب بوجود ذاته هو! أو كالتكذيب بوجود خالقه العظيم! والتنكر لحقوقه الكونية الكبرى! والتمرد على ربوبيته جل علاه! فكان الوعيد على قدر الجريمة! (وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً!)
    وإنه لمشهد رهيب يصوره القرآن العظيم! بدءاً بلفظ "السعير"؛ تسميةً لجهنم ووصفا لها! والسعير في العربية: "فعيل" بمعنى "مفعول"، أي أنها مُسَعَّرَةٌ. والسَّعَارُ: الاشتعال الشديد والالتهاب العظيم! وهو وصف لهيجان النار واشتداد حرها! وإنما سميت "أسعار السوق" بذلك؛ تشبيها لها بحر النار! والسعير في جهنم - والعياذ بالله - أسوأ ما يتصور فيها من دركات العذاب الشديد، اشتعالا والتهابا وهيجانا! حتى إنها لتكون ذات صورة حية، واعية بذاتها وبوظيفتها التي خُلقت من أجلها! وهو تعذيب هؤلاء المردة، الكفرة بالله واليوم الآخر، المنكرين للساعة! وها هي ذي جهنم - وهي حقيقة عظمى من حقائق الساعة - تنتقم منهم! فهي لهم اليوم عدو لدود، تنتظرهم من على بُعد، وتترقب وصولهم إليها! وكأنها أعناق وأفواه لاهبةٌ تشرئب إليهم، وعيون مغتاظة غاضبة تنظر وتترقب! (إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً!) إذ يشتد صوت غليانها وزفيرها، من شدة تغيظها! حتى إذا أُلقوا في جحيمها من مكان ضيق شديد الضيق - وقد قُرِنت أيديهم بالسلاسل إلى أعناقهم في مشهد مخيف، كما يُسلسل الثورُ من قرنيه! فوجدوا من هول العذاب الشديد الذي لا يطاق - دَعَوْا على أنفسهم بالثُّبُورِ! أي: بالهلاك والفناء؛ للخلاص مما صاورا إليه! فيقال لهم أنئذ تيئيسًا: لا تَدْعُوا اليوم على أنفسكم بالهلاك مرة واحدة فحسب، بل ادعوا به مرات كثيرة! فلا فائدة! ولا نجاة لكم ولا فناء! فقد صرتم جزءا من جهم، تُسَعَّرُ بكم ولكم! فلا خلاص لكم أبداً!
    ثم يستأنف الرحمن خطابه لرسوله الكريم في هذا السياق الملتهب: أنْ قل لهم أيها الرسول المبلغ عن ربه: أهذه النارُ التي وُصِفَتْ لكم بهولها وسُعُرِهَا خيرٌ أم جنة النعيم الدائم الخالد أبداً؟ الجنة التي وَعَدَهَا الرحمنُ عبادَه الذين كانوا يخافون عذابه، إنها لهم اليوم ثواب عظيم على عملهم، ومصير جميل بعد سفرهم الدنيوي، يؤوبون إليه؛ جزاءً من ربهم الكريم. لهم فيها كل ما يشتهون من ملاذِّ النعيم، ولهم فيها كل ما يحلمون به من أنواع الراحة والجمال! مما يفيض عن لفظ "جنة الْخُلْد" من معاني الخضرة الدائمة، والثمار التي لا تنقطع، والأنهار المتدفقة أبدا، والظلال المستمرة سرمدا، وما يتخلل هذا وذاك كله من النعم التي ذكرها الله في كتابه في غير ما آية وسورة. يتمتعون بلذائذها وجمالها كما يشاؤون ومتى يشاؤون، متاعا دائما لا يفنى أبداً. فقد كان دخولهم لها وعداً على الله سبحانه، يسأله إياه عبادُه المتقون. والله - جل جلاله - لا يخلف وعده!

    فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وله الحمد كما ينبغي لكريم إفضاله وتمام إنعامه!
    3- الهدى المنهاجي:
    وينقسم في هذا المجلس إلى ثلاث رسالات، هي كالتالي:
    - الرسالة الأولى:
    في بيان مركزية "الآخرة" في الخطاب الدعوي القرآني، باعتبارها أهم قضية وجب أن يتمحور حولها المنهاج الدعوي بلاغا للدين في العالمين، وتجديداً له بين المسلمين! ذلك أن طبيعة هذه الدعوة طبيعة أخروية بالقصد الأول! فوعودها الأساسية للإنسان إنما هي هناك! وأن كل ما عدا ذلك من صلاح المعاش إنما تابع لصلاح المعاد، ولا عكس! تلك هي طبيعة الرسالة وطبيعة هذا الدين ولذلك جاء تجهيل الله للكفار بحقيقة هذه الرسالة؛ عندما طالبوا رسوله - صلى الله عليه وسلم - من قبل بتحقيق خوارق غيبية، واكتساب إنجازات مادية دنيوية، من كنوز وأملاك وضيعات! فقال لهم: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً!) بل هي النبوة! بل هي النذارة! بل هي الوعد الحق! بل هي حقوق الله الخالق لهم، حقوقه التي ما تزال معلقة فوق رؤوسهم! تنتظر منهم الدخول في رِبْقِهَا، والاستجابة لابتلائها؛ أداءً لحق الخالقية، وهم عنها متنصلون، وعلى ربهم متمردون، ولربوبيته جل جلاله منكرون! فسبحانه وتعالى عما يصفون!
    إنها رسالة "الساعة"! الرسالة الحاملة للإنسان بيان حقيقته ووظيفته، وبيان مقامه الذي وجب أن يدخله متواضعا لله رب العالمين: مقام العبدية! تلك الوظيفة التي من أجلها جعل الله له في هذه الدنيا ما جعل من تسخير وتيسير! حتى تسلس له رحلته العمرانية الابتلائية إلى الآخرة! فكل ما في هذه الدنيا يُطْوَى والساعة جامعة
    !
    - الرسالة الثانية:
    في بيان أن نعمة الإيمان باليوم الآخر؛ بما هو منقذ للبشرية من الخسران المبين، ونجاة لها من المصير الرهيب، لهي من أجلِّ النعم! فلا يملك المؤمن إزاءها إلا الحمد لله كل الحمد، والشكر الدائم له جل علاه؛ بما أنعم على عباده الصالحين من الإيمان بالساعة! وإنها لمن أعظم النعم حقا! وذلك بما تتيحه للمؤمن من الاصطفاف مع قوافل العابدين السائرين إلى الله (رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً!)(الفتح: 29) وبما يستفيده العبد من ذلك كله، من جمال الأمان وتمام الاطمئنان، وهو يُحَلِّقُ من مقام الشوق إلى مولاه، ضاربا في الفضاءات بجناحي الخوف والرجاء! في جمال رائق لا يوازيه من زخرف الدنيا شيء البتة!

    - الرسالة الثالثة:

    لما كانت حقيقة الساعة - كما وصف الله وأخبر - ساعة الفصل بين أهل السعير وبين أهل جنة الخلد، في مشهد رهيب حملته كلمات الله نذارةً للعالمين؛ كان الخوف واقعا على المؤمن من جهتين: الأولى خوف الوقوع في الخسران المبين! والثانية: خوف فقدان النعيم المقيم! فوجب على الكيس الفطن أن يعيش في دينه على حذر واحتياط، وذلك هو معنى التقوى!
    فتبين إذن أن التقوى هي أعظم زاد وجب على المسلم - بَلْهَ الداعية إلى الله - أن يتزود به للآخرة! وأن العاقل هو من شَمَّرَ عن ساعد الجد للعمل من أجل هذه الحقيقة! وترك ما دون ذلك من القيل والقال، وكثرة السؤال عما لا ينفع ولا يغني من ضروب المحال! وسائر ما يشغله عن المقصد القرآني الجليل! ويفتنه عن قضيته الكبرى مع مولاه! ويلهيه عن القيام بحقوقه جل علاه!
    4- مسلك التخلق:
    فيا نفسي الأمارة! تلك هي الساعة فماذا أعددتِ لها؟ ذلك هو السؤال واحسرتاه! فما أنتِ يا نَفْسُ - لو تبصرين - إلا ورقة من شجرة، يوشك أن تعصف ريح الخريف؛ فتكونين من بنات الثرى، لَقًى يذوي بين أحشاء التراب!
    الساعة! ها هي ذي تدق خفقاتها بقلبكِ، على عَدٍّ عكسي يمضي بكِ نحو لحظة الصفر، لا يلوي على شيء! ولا أنت تستطيعين إيقاف مضيه الحثيث نحو النهاية! وخفقة فخفقة، ثم تدق الساعة! وتكونين لحظتها قد وصلت إلى باب القبر! ثم تبدأ قصة الآخرة! وتُفتح ملفات العمل! وتلك هي القضية الكبرى!

    آهٍ يا نَفْسُ! هل أنت فعلا مستعدة لدخول باب القبر؟ كيف؟ وأنت لا تدرين أحفرة من حفر النار هو أم روضة من رياض الجنة!؟

    فيا قلبي العليل! إن الساعة ساعة! دَقَّاتُهَا كَدَقَّاتِكَ! فَعُدَّ أيامَكَ عَدّاً وتأهَّبْ للرحيل! هذا مسلك أهل الآخرة، مسلك المتقين، مسلك العارفين بالله حقا. فلا تجعل من يومك وليلتك عملا على غير ميزانه؛ وإلا كنت من الخاسرين! وإنما عافية الأعمال وسلامتها متحققة بمطالعة أحوال الآخرة! فلا تغفل عن آياتها المتواترة زاداً يومياً من كتاب الله! ذلك إن كانت لك رغبة حقيقية في سلامة دينك ودعوتك!
    وإنما الموفق من وفقه الله!ــــانتهت
     
  3. فاتح الأندلس

    فاتح الأندلس عضو جديد

    رد: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    نسأل الله الثبات و العتق من النار و حسن الخاتمة

    بارك الله فيكم يا دكتورنا الحبيب
    و الحمد لله على سلامتكم

    نسأل الله لكم دوام الحفظ و العافية
    و فتحا مبينا بما يفتح به جل و علا
    على عباده الذين اصطفى

    و الحمد لله رب العالمين
     
  4. سعد

    سعد مشرف ساحة الدعوة الإسلامية

    رد: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان :في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    السلام عليكم و رحمة الله،

    ماذا ربح صاحب الدنيا؟ و ماذا خسر صاحب الآخرة؟

    أما صاحب الدنيا المفتون بها : فإنه لا تصفو له لذة أبدا. إن تنَعَّمَ لحظة شَقَا لحظات. و إن فرح يوما أصابه الغمُّ أياما. ثم إنَّ ألما أو حزنا يصيبه لدقيقة واحدة في هذه الدنيا كفيل بأن ينسيه كل ما مضى من النعيم أو الفرح. و هذا شيء يجده كل واحد منا في نفسه. فكيف بلحظة من عذاب الآخرة؟؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا والله ما رأيت نعيماً قط)) [رواه مسلم].
    أما صاحب الهم الأخروي، فهو دائما في استعداد للأجل بالإيمان السليم و العمل الصالح. كما أنه قد ربح هناء البال في هذه الدنيا أيضا ، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه و جمع له شمله و أتته الدنيا و هي راغمة)) [صححه الألباني].

    فهل بعد هذا ينسى أو يتناسى الآخرة أحد؟؟
     
  5. أيوب

    أيوب مشرف ساحة مشاريع الفطرية

    رد: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان :في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
    يانفس قد أزف الرحيل ،و أظلك الخطب الجليـــــل
    فتأهبي يا نفــــــــــــس، لا يلعب بك الأمل الطويل
    فلتــنــزلــن بمنــــــزل ،ينسى الخليل به الخليــــل
    ولينزلن عليك فيـــــــه ، من الثرى ثقل ثقيـــــــــل
    قرن الفناء بنا جميعــــا، فلا يبقى العزيز و لا الذليل

    جزاك الله خيرا أستاذنا الجليل على هذه الكلمات الرقراقات التي بلغت من التأثير ما بلغت ، وإن الساعة فعلا للآتية ، فما أعددنا لها ، فما منا من أحد إلا و عصى الله ، طلبا للذة لحظية و تلذذ بها ، و ما منا من أحد إلا و تعب في طاعة الله طلبا لرضاه ، وهانحن الآن نعيش و قد مضت الذة و مضى التعب في الطاعة ، فهما الآن في ميزان الدنيا سواء ، لا نحس بلذة ولا بتعب ، فليت الذنوب إذا تخلت خلت ، ولكنها تتحول في لحظات الموت حنظلا ، و في الآخرة حنظلا ، فالكيس فعلا من دان نفسه و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أمثالي من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني
    إن قلوبنا بيد الله فنسأله أن يهديها بالحب إليه، اللهم إن قلوبنا بين يديك فاهدها بالحب إليك، اللهم آمين.​
     
  6. محمد

    محمد مشرف ساحة القرآن الكريم في حياة الرسول صلى الله عل

    رد: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان :في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الناس في سعيهم قسمان لا ثالث لهما : قسم دنيوي السعي وقسم أخروي السعي.
    يقول جل في علاه :

    (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)
    ونحن وإن حرصنا على الدنيا فإننا لن ندرك منها إلا ما قدر لنا بيد أن الحرص لو كان على الآخرة فإننا أيضا ندرك منها ما قدر لنا لكن مع زيادة حسن العاقبة في الآخرة.
    يقول عز وجل :

    (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا)

    ويقول أيضا :
    (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ، وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ)
    بل في هذه الحال حتى حظنا الدنيوي يزداد ويبارك ، يقول سبحانه :
    (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب)
    ولكي نستوعب المسألة ما علينا إلا أن نشاهد الفوارق بين الناس إلى أي مدى يمكن أن تصل! رغم هذا فإننا تخميننا سيبقى قاصرا لاختلاف المقياس المرجعي بين الدنيا والآخرة ، وعلى كل فلا أوجز وأبلغ من قول ربنا :

    (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً).
    اللهم اجعلنا ممن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن.
     
  7. بن أفراعي

    بن أفراعي عضو جديد

    رد: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان :في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    حقا إن الساعة أدهى وأمر وليتنا نتعظ ونتيقن على أنها آتية لا ريب فيها ونفهم أنها إذا وقعت ليس لوقعتها كاذبة فهي الخافضة الرافعة، ترفع أقواما وتخفض آخرين.



    وكل منا يجب أن يحدد موقعه من الآن هل من المرفوعين الذين ثبتوا على الحق، أم من أصحاب الشمال (نعوذ بالله من ذلك)الذين انجذبوا بجوا دب الأرض ولم يعرجوا إلى ربهم الذي هيأ لهم كل ما في الأرض جميعا وما طلبه منهم إلا أن يؤمنوا به وبرسله وبكل غيب ومن هذا الغيب الساعة.

    وفي ذلك اليوم وعند البعث سيخبر عالم الغيب والشهادة كل منكرللقائه و للساعة بالحقيقة العظمى فقال وهو أصدق القائلين: (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم. قال أليس هذا بالحق. قالوا بلى وربنا. قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم. ألا ساء ما يزرون. و ما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو. وللدار الآخرة خير للذين يتقون. أفلا تعقلون)

    اللهم اجعلنا من المؤمنين بها حقا وصدقا والعاملين لها سرا وجهرا. والحمد لله في الأولى والآخرة



    حفظك الله شيخنا الجليل وزادك منه علما وعملا



    بن أفراعي





    تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام
     
  8. سعد

    سعد مشرف ساحة الدعوة الإسلامية

    رد: المجلس الرابع من مدارسة سورة الفرقان :في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى

    بسم الله الرحمن الرحيم


    (و إذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا)


    هذه لحظة نفاذ الصبر. لأن الإنسان لا يدعو بالهلاك لنفسه إلا إذا فقد كل أمل في النجاة، و بلغ الألم قدرا لا يطاق..


    تأمل.. لم يدخلوا النار بعد، و مع ذلك يتمنون الموت. فكيف عندما يدخلونها؟ فكيف بعذاب يستمر إلى الأبد؟

    نعم.. سيتمنَّوْن الموتَ مرات و مرات هذا اليوم. قال تعالى بعد ذلك :

    (لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا. و ادعوا ثبورا كثيرا)


    نسأل الله العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا و أن يصرف عنا عذاب جهنم. آمين.
     

مشاركة هذه الصفحة