المجلس السابع في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! 1- كلمات الابتلاء: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتيَ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29) 2- البيان العام: هذه كلمات الندم! هذه آهات الألم!.. هذه رسالات النذير الإلهي الرهيب! هذه بشارات النجاة الخاتمة، وآيات الفرصة الأخيرة! تمتد إليك من الرحمن بوصف حقيقة الندم الأبدي عند فوات الأوان! لكنها تأيتك الآن قبل فوات الأوان! جامعة بين مقامات الجلال والجمال! فماذا تراك أنت فاعل بنفسك اليوم يا صاح؟ ههنا يَعْرِضُ الْمَلِكُ العظيم مشهدا رهيبا من مشاهد يوم القيامة! مشهد تشقق السماء وتَفَتُّحِ أبوابها، من كل جهاتها، وفي كل طبقاتها، سماء بعد سماء! إذ يتدفق الغمام بأسراب الملائكة تدفقا عجيبا! يبهت الأبصار ويبهر القلوب! سِرْباً بعد سِرْبٍ، بما يفيده لفظ "التنـزيل" من التفويج والترتيب. فَتُنَـزَّلُ أفواجُ الملائكة تنـزيلا، كتنـزل أصحاب المظلات العسكرية من طائراتها، لامعة تحت أشعة الشمس! لكنها خلائق ذات أنوار وجلال، تتنـزل على أطراف أرض المحشر، حتى تحيط بالخلائق جميعها من كل جهاتها! قال ابن كثير رحمه الله في تفسير لفظ "الغمام" ههنا: ((هو ظُلَلُ النور العظيم الذي يبهر الأبصار! ونزول ملائكة السموات يومئذ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء!)([1]) وروي عن مجاهد أنه قال: هذا كما قال تعالى: ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ! وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأمُورُ!)) (البقرة: 210)([2]). فالْمُلْكُ الحقُّ في هذا اليوم إنما هو للرحمن، الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وحده دون سواه! لا تفويض فيه لأحد ولا تفويت! فقد انتهى زمن الابتلاء بالحكم والسلطان! هذا يوم جمع الملوك والمملوكين، والحكام والمحكومين، على صعيد واحد، سواسية بين يدي مَلِكٍ واحد، هو الله رب العالمين! ولذلك كان هذا اليوم شديدًا على الكفار، عسيرا على الظلمة! الظلمة لحقوق الله، والظلمة لحقوق الناس سواء! فالقضاء الإلهي اليوم وحده يفصل بين العباد. لا إمكان ولا أمل في التملص أو التخلص من حكم رب العزة الواحد القهار، رب الملك والملكوت! لا غش اليوم ولا رشوة، ولا خلابة ولا خداع! فتلك فتن ابتلائية انتهت بنهاية الدنيا! وانتصبت محكمة الحق العظمى! اللهُ - جَلَّ جَلالُهُ - فيها قَاضٍ والملائكةُ شهود! هذا يومُ يَعَضُّ الظالم على يديه!.. هكذا في صورة من أبشع صور الشعور بالندم والخسران! فالعَضُّ على اليد تعبير جنوني عن رغبة هستيرية في الانتقام من النفس الأمارة، ندمًا وحسرةً! حيث يندب الظالم - بما فرَّط في جنب الله - مصيرَه المأساوي وحظَّه الخاسر! ويصرخ يائسا: يا ليتني اتخذتُ مع الرسول مسلكاً إلى الله! ويا ليتني اتبعته في اتخاذ الإسلام طريقاً إلى الجنة! ثم يصرخ مرة أخرى باكيا نادبا، وداعيا بالويل والهلاك على نفسه والعياذ بالله: "يَا وَيْلَتَى!.. ليتني لم أتخذ فُلاَناً – تعيينا بالاسم - من أهل الكفر والضلال خليلاً! فقد كان لي رفيقا، وقد كان لي صاحبا، فبئس الصاحب وبئس الرفيق! لقد كان لي خليلاً، أي: ملابسا لي على كل حال، لا يكاد يفارقني، ولكن على غير طريق الهدى والرشاد! فواحسرتاه! لقد أضلَّني هذا الشقيُّ عن الاستجابة لنداء القرآن! بعد إذ بلغني واضحا صريحا! ذلك هو قرين السوء، وصاحب الشر، عميل الشيطان ورسوله! الذي يقوم باستدراج أهل الشهوات والأهواء إلى الهلاك المبين! ولكن أنَّى ينفع الندم اليوم؟ وأنى يفيد التحسر؟! كيف؟ وها الشيطان كلما أغوى أحدا حتى إذا أيقن بهلاكه أدبر عنه وخذله، وأخلف له كل وعوده الكاذبة! وتلك هي السنة الثابتة في كيد إبليس، كما قررها القرآن الكريم: (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً!) فعجباً لمن يقامر بمصيره الأخروي، وبمستقبله الوجودي، فيجعله رهين غواية الشيطان وغروره! [1] تفسير ابن كثير: 3/316. [2] تفسير الطبري: 19/6. وكذا تفسير ابن كثير: 3/316. ------------ المجال مفتوح لكل الإخوة لمدارسة هذه الآيات الكريمة على أن يختم المجلس بكلام الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله بعد حوالي 10 أيام
رد: المجلس السابع : في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! السلام عليكم و رحمة الله يبتدئ مقطع مجلسنا هذا بوصف مؤيد لليوم الآخر إمعانا في تقرير حقيقته ، و قد سلفت الإشارة إلى يوم الحشر في مجلس سابق، و في هذا ذكرى لكل مدكر.ثم لا تلبث الآيات تسترسل في وصفه لكن هذه المرة مكللة بمشهد تنزل الملائكة المهيب.و في هذا إثبات للمالكية الحقة له سبحانه التي سبقت الإشارة إليها عند مطلع السورة. هنا يبدأ الحديث عن الحسرة و الندامة المطبقة التي يستشعرها من جحد هذه المالكية لله في الدنيا و لم يعمل بمقتضاها التعبدي، وليت شعري كم يعجز اللفظ عن وصف هذه الحنقة المدمرة عندما يرى الكافر من كان يحسبه مدافعا عنه في الدنيا، هو و إياه في سواء السعير! إن في هذا لدرسا لنا نحن الذين مد الله في آجالنا حتى نقف في هذا المجلس المبارك غلى هذه الحقيقة المرة.و صدق صلى الله عليه و سلم حين قال ، و ما ينطق عن الهوى بأبي هو و أمي : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم إلى من يخالل " . اللهم ارزقنا الرفقة الصالحة التي تدلنا على الخير و تعيننا عليه.
رد: المجلس السابع : في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! بسم الله الرحمن الرحيم، نعم أخي محمد، ما أصعب أن ترى من كان عنك مدافعا في الدنيا و هو في السعير! و لذلك فإن في هذه الآيات رسالة بضرورة التحري عند اختيار الأصحاب و الأخلاء. ألم تُقْرَن في هذه الآيات ـ لأهميتها ـ باتباع الرسول من عدمه؟! ثم إن من الضروري بعد ذلك أن يقف المرء و خليله وقفات من حين لآخر، يمحصان فيها النيات و يحاسبان المقاصد. هل نحن إخوة في الله فعلا؟ هل نحب بعضنا في الله؟ أم أنها الصداقة و طول العهد و الألفة، و التي نغطيها تحت ستار هذه الكلمات الجميلة "الحب في الله" أو "الأخوة في الله"؟! إن علامة الحب في الله أن تحب صاحبك للآخرة قبل كل شيء. أي أن تنظر إليه أنه خليلك للأبد! و إن هذا يستلزم أن تحرص على هدايته ما استطعت، و أن تعفو عن زلاته كلها، و أن تدعو له عن ظهر غيب صباح مساء.. رغبا و رهبا : ترجو أن يكون معك في الآخرة : "إخوانا على سرر متقابلين"، و تخاف أن يقول أحدكما يوم القيامة : "يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا!" و في قوله تعالى : "لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني" إشارة إلى أن أفضل صاحب على الإطلاق هو الذي تجتمع معه على القرآن، و يحرضك على العمل به و العض عليه بالنواجد. فإن القرآن من الذكر، و قد قال جل شأنه : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل: 44)، فكان القرآن هو الذكر! فاحرص أخي على حسن اختيار صاحبك. و إن أشعرك بالملل في هذه الدنيا الفاتنة! فقد قال تعالى لمن هو خير مني و منك : "و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه. و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان أمره فرطا".
رد: المجلس السابع : في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الله في هذا الموقف الرهيب المزلزل الذي تشيب له الولدان، ذكر الله اسمه الرحمن ولم يذكر اسما من أسمائه التي فيها من القهر والترهيب (كالقهار أو ذي الطول شديد العقاب وما شابهها). وكأنه سبحانه يذكر الكافر ومن على شاكلته بأنه أنذره فأنزل الكتب وأرسل الرسل وهو القائل عز وجل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، وفي آية أخرى قال عز وجل يا حسرة على العباد ما ياتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون). فهو سبحانه وتعالى رحمن الدنيا والآخرة يحب كل عباده لذلك قال عزوجل في هذه الآيات الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا) ثم إنه عز وجل يصف لنا حال الكافر النادم و أنى ينفعه الندم في ذلك اليوم يوم التغابن الذي يندم فيه حتى المؤمن حيث يتمنى لو لم يتنفس نفسا واحدا أو أقل منه إلا كان في طاعة الله. وهنا بصيرة أخرى يجب أن نتنبه لها وهي الخلة فعلينا جميعا أن ننظر إلى من نخالل ونمحص من جديد هل من الأخلاء الصادقين المخلصين المفردين لله أو المحبين للدنيا وزخرفتها وجاهها ووجاهتها. فكل ذلك إلى زوال و(الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا) ويبقى ذكر الله هو نقطة الإلتقاء ونقطة الإفتراق لأنه هو السبيل إلى تقوى الله والله عز وجل يقول.( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) اللهم اجعلنا من المتقين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد: المجلس السابع : في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد كان لنا في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ودكر الله كثيرا، وهو صلى الله عليه وسلم كان الله جل وعلا هو خليله: " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، غير أن صاحبكم خليل الله " والمرء على دين خليله، فلينظر أحدنا من يخالل، فالخلة أحبتي في الله هي الصحبة والصداقة مع الحب، حيث يصبح الخليل حبيبا إلى قلبك كأحسن ما يكون الحب، و هذا الحب، إما أن يقود الإنسان إلى نعيم وفرح، وإما والعياذ بالله إلى جحيم و ندم وتعاسة، فمن أحب شخصا لله، كان وإياه تحت ظل عرش الرحمان يوم لا ظل إلا ظله ، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : " و رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه " فالدليل على الحب في الله، هو الإجتماع عليه والإفتراق عليه، أي أنهم يذكرون الله في اجتماعهم وافتراقهم، ومن ادعى حب شخص في الله وهو غير متصف بهذه الصفة، فإنما ذلك ادعاء كاذب و العياذ بالله، وأما الصنف الثاني فهو من اتصف بعكس ذلك، وهم الذين لا يجتمعون على الله، و لكن يجتمعون على معصية الله، فهؤلاء أخلاء، ولكن خلتهم لحظية، دنيوية، مزيفة سوف تنقضي بانقضاء الدنيا، و تنقلب إلى عداوة و ندم و العياذ بالله " الأخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" فالخلة التي لم تبن على التقوى لا محل لها في الآخرة، بل تنقلب إلى ندم : " يا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا " والشيطان مشجع لهذه الخلة ولهذا الاجتماع على معصية الله، و ذلك بسبب ما للخلة من عظيم أثر على الفرد، بل المجالسة فقط لها عظيم الأثر، فما بالك بالخلة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جامع يبين فيه خطورة المجالسة فقط: "مثل الجليس الصالح والجلبس السوء، كحامل المسك و نافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد فيه ريحا منتنة" ؛ اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد، ياله من مثال بديع تشد إلى مثله الرحال، فالجليس الصالح كحامل المسك، فإما أن يعطيك من المسك، أو على الأقل أن تجد منه كلاما طيبا يذكرك بالله "ريحا طيبة" ؛ و نافخ الكير إما أن يؤذيك و يجرك و يحرق ثيابك و يصدك عن طريق الله، وإن لم يستطع، فستجد منه على الأقل ريحا منتنة، أو كلاما قبيحا يؤذيك ، فلينظر إدن أحدنا من يخالل، فإما نجاة بالخلة، وإما ندامة والعياذ بالله، نسأل الله أن يجمعنا على الحب فيه إنه ولي ذلك ومولاه
رد: المجلس السابع : في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! السلام عليكم و رحمة الله، بارك الله فيك أيوب! لدي مشاركة في سياق آخر. إذ إنك تجد في القرآن الكريم وصفا دقيقا لأحوال الآخرة، كأنك تراها رأي العين! خذ مثلا قوله تعالى : "و يوم تشقق السماء بالغمام و نزل الملائكة تنزيلا". و أو في وصفه العجيب لحال الظالم : "و يوم يعض الظالم على يديه". و هذا في القرآن كثير جدا. أعتقد أن من بين المعاني التربوية التي نتعلمها من هذا المنهج الرباني : أن نملأ "حاسة الخيال" في نفوسنا بالإحساس باليوم الآخر، و بالجنة و النار! فأنت ترى في هذا الزمان عددا هائلا من الناس يتابعون الأفلام و المسلسات. كما أنك تجد فينا أنفسنا شغفا عجيبا لتتبع آخر الأخبار و الصراعات الدولية و الإقليمية و المحلية! و ما هذا إلا للفراغ الروحي في "خيالنا".. ذلك الفراغ الذي ملأناه بالأدنى فالأدنى للأسف الشديد. و أسرد هنا حكمة سعيد النورسي رحمه الله، و التي أوردها الأستاذ فريد في مجلس سابق : أي عندما شغلته أهوال يوم القيامة عن الحرب العالمية! و إن هذه لمنزلة عالية، و إن فيها لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد. فالمطلوب منا إذن أن نعيش بكل كياننا مع الآخرة. و أحسب أن هذا كفيل بإخراجنا ـ بشكل تلقائي سلس ـ عن دائرة السيطرة الإعلامية للعولمة. و الله أعلم!
رد: المجلس السابع : في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي! تتمة المجلس للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله [FONT="]3- الهدى المنهاجي:[/FONT] [FONT="]وينقسم إلى خمس رسالات كالتالي:[/FONT] [FONT="]- الرسالة الأولى:[/FONT] [FONT="]في أن استحضار المؤمن لهول القيامة، ومشاهدته الإيمانية ليوم الحساب، حيث يتفرد الرحمن بالملك والقضاء بين العباد، وما يستتبع ذلك من رهبة وجلال، لهو من أهم موارد التزود الروحي لردع نوازع الشهوة في النفس، وقمع خواطر الغواية الواقعة على القلب. كما أنه من أهم موارد تنشيط سير العبد، والتمكين لقلبه من جمال حاله وعلو مقامه، في دينه ودعوته.[/FONT] [FONT="]- الرسالة الثانية:[/FONT] [FONT="]في التحذير من إضاعة سبيل الرسول! فلا مسلك إلى الله إلا خلف رسول الله! عليه الصلاة والسلام. فهو السالك طريق القرآن، الخبير بأبوابه ومعارجه، المتخلق على الكمال بمحامده! عليه تنـزل الكتاب كله، بما لم يتنـزل على أحد من العالمين، ولا عرفه أحد قبله أو بعده. فهو الإمام الكامل، والقدوة الشاملة، والأسوة الجامعة المانعة! فلا يبتغي الهدايةَ أحدٌ في غير سبيله إلا كان من الضالين! ولا يخرج أحد عن سنته قصداً واستدراكا عليه إلا كان من الهالكين![/FONT] [FONT="]- الرسالة الثالثة:[/FONT] [FONT="]في التحذير من قرين السوء وخليل الشر! وبيان أن مخاللة الأشرار والأشقياء من أخطر وسائل الضلال والإضلال! وهذه قاعدة تربوية عامة في الكبار والصغار والذكور والإناث، فمن احتك بقوم إلى درجة الخلة تطبع بطباعهم. وكثير من الناس يستهين بها في نفسه وفي أبنائه، فلا ينتبه إلى خطورته حتى يكون من الهالكين! ويقابله أن من عاشر أهل الخير ناله من فضلهم وحسن خلقهم الشيء الكثير. وقد نبه الرسول - صلى الله عليه وسلم – على هذا في عدة مواطن من سنته الشريفة. ومن أشهر ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً[/FONT][FONT="]!)([FONT="][1][/FONT])[/FONT] [FONT="]وينبني عليه من الفقه التربوي: استحسان اتخاذ الصاحب الصالح في طريق السير إلى الله، فإنه معين - بإذن الله - في التغلب على أحوال القبض ومنازل الاغتراب، ومنشط في إسراع الخطى في طريق المجاهدات والمنافسات، والتغلب على الوساوس المثبطات. لكن على غير غلو وابتداع، ولا زيغ عن سنة النبي - عليه الصلاة والسلام - وإلا انقلب من دَالٍّ على الله إلى جدار غليظ حاجب عن الله![/FONT] [FONT="]- الرسالة الرابعة:[/FONT] [FONT="]في التنبيه على خطورة الغفلة عن تلاوة القرآن، والانقطاع عن الشرب من ربيعه، والورود من نبعه، بما هو ذكر أساسي للمؤمن، وغذاء ضروري لروحه، وزاد لا غنى له عنه لهداه وثباته! فالبعد عن القرآن مؤد بالضرورة إلى قسوة القلب! تماما كما تقسو الأرض العطشى بانحباس الغيث عنها! فلا يلبث إلا قليلا حتى تتطلع نفسه إلى الشهوات المحظورات، وتلك بداية الانحراف والعياذ بالله! وكثيرا ما يكون ذلك بصورة من الخفاء بحيث قد لا يشعر بها المؤمن في بداية الأمر، بل قد لا يكاد يجد بها وعيا حتى يغرق في وحل الفتنة! فيصعب عليه الرجوع وتثقل التوبة والإنابة! ويحتاج إلى عزيمة أقوى مما لو صادفته خواطر السوء وهو قريب العهد بالقرآن، فإنه آنئذ يكون أقوى بإذن الله على طرد وساوس الشيطان، والتخلص من نوازع الأهواء والشهوات، والرجوع السريع والقوي إلى التشبث بحصون مقامه! وإنما المعصوم من عصمه الله.[/FONT] [FONT="]- الرسالة الخامسة:[/FONT] [FONT="]في التحذير من الافتتان بآراء الرجال ومصطلحاتهم، سواء كانوا من العاملين في مجال الدين والدعوة أو غيرهم، مهما كان شأنهم! مما قد يصدر عنهم مخالفا لحقائق القرآن وتعابير القرآن، فحذار من الانبهار بالأقدار التي قد تقع بقلبك لفلان أو علان، إذْ يأتيك بالفكرة أو بالعبارة، التي تقتضي أمرا عقديا أو حكما شرعيا، أو توجيها دعويا، لكنه منقوض بمنهاج القرآن، مخالف لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، مرفوض بميزان الشريعة! فإنك إنْ يمل قلبك إلى اتباع ما وقع في نفسك من التعظيم لصاحبه، وتركتَ سبيل القرآن من أجله! فإنه ليُخْشَى عليك أن تكون من الهالكين! (يَا وَيْلَتيَ..! لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً! لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً!)[/FONT] [FONT="]4- مسلك التخلق:[/FONT] [FONT="]ومسلك ذلك كله يتلخص في تحقيق الندم قبل الندم! ثم الإكثار من مطالعة أحوال الصالحين من الأنبياء والصديقين، والتشمير عن قدم الرحيل إلى منازلهم عبر سبيل القرآن الكريم.[/FONT] [FONT="]فأما الندم قبل الندم، فراجع إلى تدبر أيام العمر، ومشاهدة ما ضاع منك من فرصها وهو كثير..! هل تستطيع اليوم استعادة الأمس؟ لقد ضاع مني ومنك إلى الأبد! مضى بحسابه واحسرتاه، ولكل يوم حساب جديد! أيامك في هذه الدنيا رصيدك. فانظر ياقلبي ماذا أنت فاعل برصيدك! وأي شيء يمكن أن تستدرك به ما فاتك منه؟ نَدَمُكَ الآن أمَانُكَ! فاتخذه زادا قبل الندم العقيم! ندم الآخرة الذي لا ينفع صاحبَه أبدا![/FONT] [FONT="]فليس لك اليوم يا صاح إلا أن تفر من نقصان إلى العمر إلى بركة العمر! والبركة فيض الله الكريم على عباده، مرجعه التخلق بأعمال الْمُبَارَكِينَ من الصالحين! و(الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)([FONT="][2][/FONT])، فَتَخَلَّقْ بمحبتهم تَرَ من نفسك في الإقبال على الخير عجباً![/FONT] _______________ [FONT="][1][/FONT][FONT="] متفق عليه.[/FONT] [FONT="][2][/FONT][FONT="] نص حديث متفق عليه.[/FONT]